فهرس المخطوطات
المخطوطة الأولى تصدير
المخطوطة الثانية في أمور الحنتكور والحنتفور
المخطوطة الثالثة في اقتراح عقد قران
المخطوطة الرابعة في الراهز المرتهز النهريز
المخطوطة الخامسة في ذكرى ذاك الوصال
المخطوطة السادسة إلى الحاج الواهن اللعوب
المخطوطة السابعة في وهن أنثى الإنسان
المخطوطة الثامنة في دعاء استنكاح
المخطوطة التاسعة لماذا؟
المخطوطة العاشرة لأنّ...
المخطوطة الحادية عشر : أحقاً؟
المخطوطة الثانية عشر في ختام الرسائل
مخطوطة الثالثة عشر في تنفيذ هذا الكتاب

رسائل الحاجة في زمن الحاجة
المخطوطة الأولى : تصدير
أما بعد، لما كان تلذّذ النساء بالرجال من أعظم الملذّات وكان له من
التقدّمِ في قلوبِهنَّ ما قدَّمه على سائرِ الشهوات، ولما كنتُ أتلذّذُ بهم
بشكلخاص وكان لمتعتي معهم الحيّز العميق في نفسي وفي نفوس من
أحبّني من أمثالك، ولما ما زلتَ أيها الحاج الحبيب برغم مضيّ السنين
الطوال تحمل لي الحب الولهان وتضمر لي الغرام الفتّان ولم تعرف عنّي
إلا ما سمحتُ لك بمعرفته وما تكهنتَ به وحدك،
رأيتُ أن أجمعَ لك بعضَ رسائلي ومستحسنَ أدبي نبذاً في كتيّبٍ ظريفٍ
بزيعٍ[1] يُهدى ويُستعاد من الرفاق والندمان، وأحببتُ أن أقتضبَ فصولاً
من تجاربي في ما جرى ويجري منذ أبد الآبدين وأن أفرد بها كتابي هذا
تذكرةً للراغبِ من المقرّبين ومعونةً للطالبِ من المحبّين.
ولا شك أنّكّ تتساءل أيها الحاج الحبيب عن الهدفِ من مكاتبتك في لواعجي بعد هذا العمر الطويل، وقد تجلّت لك أوصافي العليّة وفضائلي القدسيّة حين اخترتني من بين آلاف الحسناوات الجميلة في الأستانة عاصمة الكون، فكنتَ أشدَّ الرجال تعلّقاً بمزاياي وأشوقهم لنيل الحظ من محاسني فأسعدك التوفيق الإلهي ببلوغ غاية ما ترتقب ونلتَ منّي ما ابتغيت وأتيتَ بي إلى ضيعتك ضامناً وفائي وإخلاصي مستسلماً لما ظهر علناً جاهلاً حقيقة ما جرى خفاءً وسرّاَ.
لذا، فقد كانت الحقيقةُ اللعوب هدفَ الرسائلِ الأوَّل واستذكارَ الوصال عند وقوعِ الفراق وامتناعِ التلاقي ثاني الأهداف النبيلة، وقد دوّنتُ صبيحة كل ليلة حب عالميّة ما جرى في الحقيقة وفي الخيال، وعشاقي المبدعون على كثرتهم نادرون، وفي تنوّعهم متشابهون، وإلى خاتم الأحباء في النهاية يوصلون، وقد وصفتُ نماذجاً منهم في كتابٍ صادقٍ يحملُ إلى الحبيب استمراراً لما يلزم ولا يبرح[2]، ولمّا صادفَ قبولاً منهم وإقبالا، أتممتُ ما قد بدأتُ به وكانوا بالفضل له حقيقا[3]،
وإنّي لمدركة خطر ما أقوم به، ولعلّي أفضل من يعلم مداه، ولكنّ للَسعةِ الخطر طعمٌ مثير ولروح المغامرة دورٌ أكيد في ما أقوم به، وإني على ثقة أنك أيها الحبيب ستفاجأ، وسيكون لكلامي وقعٌ عليك واقعٌ وبرحٌ بارحٌ ولن تعود تدري ما تفعل، وستتقلّب بين تآكل الشك ليقينك وقرض الشوق لأحشائك وألمحك تدور كالمجنون متأرجحاُ بين رغبتَيْك بجسدي وبضرورة إزالتي من الوجود لتعسّر وصولي أو ووصالي والاثنين سواء لتشابه مزاحي مع البكاء، وأراك تدمع من فوق ثم من تحت، وأسمعك تئن من النشوة وتتأوه من الألم، وأشتمُّ روائح الالتصاق والاحتراق، وأضحكُ وأقهقه ولا أكفّ، وقد أردتُ كل كلمة وما خبأتُ وما تهربّت، وأخفيتُ خلف احتمالات معانيها ما يُهرّب من الكلام، وما بحتُ إلا بما صدقت، وتركتك لما أنت فيه وحدك تواجه مآلك مثلي مهما يكن من أمرنا، وتركتُ القلم يحملني إلى حيث كنتُ وإلى حيث أحلم في كل لحظة أن أصير،
وما كان عليّ إلا استفراغ وجدي واستغراق جهدي لتبيان خواطري وإبراز مرامي، ولما نفضتُ سوادَ المدادِ على بياضِ الصحفِ، اكتشفتُ ضعفَ ما ورثتُ من اللغةِ العربيّةِ وما ملكتُ منها غير اليسير، فدرتُ على المكتبات شرقاً وغرباً، وبحثتُ عن أجمل النصوص حتى جمعتُ منها ما تيسّر، ووجدتُ أقلاماً صحيحة القوام فصيحة الكلام تجوب الأرض وهي قاعدة وتساور الخصم وهي عاجزة، واستغرقت في بحثٍ عميق عن التي كان ما بَطُنَ من أمرِها عديلُ ما ظهر من منظرِها،
وبعد الإطلاع الوافر والتبحّر الأوفر، هالَني أن لا أجد امرأةً كتبت عن لواعجِها دون حياء، ولا لغةٍ عكستْ ما يعتريها دون مواربة، واكتشفتُ مفرداتٍ ما صاغَها إلا رجال خالوا أنهم يعلمون وما هم بغير منافقين، وساءني أن تؤخذ الكتابة على محملِ الجدّ واستفزّني أن تُقدّس لدى العربان، فتحديّتُ نفسي في مجاراةِ ما قرأتُ، وتخطّيه إلى ما هو إبداعٌ وخلقُ، وعقدتُ عزمي على امتصاصِ خيرِ النصوص، وبدأتُ التلاعبَ بها مسترسلة مستسلمة ملتذّة بطوفان الكلام، وقنعتُ بالخفيفِ من الفكر الذي قلّتْ الكلفةُ فيه وزادتْ السلوى به، خاصةً وأن استعمالَ الإنبساط أعوَد وإطراحَ الانقباض أحمد، وما زلتُ أعافسُ[4] وأمارسُ حتى ضحكتُ وزهزهقتُ ولذتُ بكشحيّ[5] واستلقيتُ على قفايُ وعلمتُ إني في ما كتبتُ دعابةٌ وإنّي امرأةٌ تلعابةٌ[6]، وإني لم أراعِ في كلِّ ما اخترته وتحريّته ديناً أو مثلاً أو مخلوقا، وإنّي جعلتها تنطقُ ولساني ساكتٌ وثغري مفتّرٌ على بسمات، وجعلتها تتكلّمُ وأنا أصمتُ ساخرة على انتهاكِ المحرّمات، وتركتُ اليراعَ يجري دون قيدٍ ولا شرطِ، علّه يبوحُ بما لا يـُباح، وإنّي ما توخّيتُ ربحاً ولا طلبتُ كسباً بل رجائي الوحيد في ما فعلت نجاح أعمالي وصلاح أحوالي إن شاء الله،
وقد احترتُ في عنونةِ ما كتبتُ، فكان بادئ الأمر: "رسائل الحاجة في ذِكر الوِصال ووِصال الذَكَر"، ثمَّ ترددُّت وبحثتُ حتى وجدتُ: " في الوله الفتّان واللهو الفلتان آخر الزمان"· ، ثم أصبح: "اللغةُ الممنوعة في الكتب المسموحة" و انتهيتُ أخيراً إلى عنونة كتيّبي هذا بـ: "رسائل الحاجة في زمن الحاجة"، لأن الحاجّةَ لعوبٌ تهوى الكلام والحاجَةُ ضروبٌ وأنواع، بدءاً باستذكار الحبيب واستنباط اللغة واستبحاث المقدّسات وانتهاءً بهلمَّ جرّى مما دعت وتدعو الحاجّة له ولا تنال.
كما أنني صمّمته في ثلاثة أجزاء وثلاثة عشرة مخطوطة، تعكس واقع الحال في شتّى الصعد وكافّةِ المجالات، فكان الأولُ في لغةِ من سَبَق، والثاني والثالثُ في لغةِ من بَحَث، على أمل المساهمة في خلق في لغةِ من وجد، ولكلٍّ رسالةٍ، من أصل سبعةٍ مختلفات، تصديرٌ وصدرٌ وختام، وموضوعاتٌ تثيرُ الضحكَ وتُلهم الاحتلام، وأساليبٌ تختلف كالأولاد في الاحتكام، و في قلبي منزلةٌ لا تتزحزح، وفي صندوقي الخشبيّ السريّ ملفٌ لا يُنشر، وبين يدَيْك كتابٌ- أحجيةٌ تُقلب صفحاته وقد لا تُقرأ، على أمل أن تشاركَني اللهوَ والعبثَ.
حُسُن بنت هنود آل فارس المكارم
[1] - البزيع: الظريف الذكي الذي يتكلم ولا يستحي.
[2] - المقصود بذلك النكاح لأنه يلزم ولا يدوم، وقد قدّرتُ ذلك من سياق ما قرأته في ما بعد.
[3] - لقد بدا لي أن هذه الكلمة يجب أن تكون حقيقياً وليس حقيقاً وقد تأكدّت من مرجعٍ في االغة العربيّة أنه جاء صحيحاً.
[4] - أعافسُ أي أُعالج الناسَ مزاحاً وأمارسُ كذلك .
[5] - زهزهق أي استغرق في الضحك، والكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف.
[6] - تلعابة أي كثيرة اللعب.
· وقد فضّلتُ شخصياً هذا العنوان على ما اختارته الحاجة وذكرته على ورقة الغلاف.

المخطوطة الثانية: في أمور الحنتكور والحنتفور
إلى الحاج الحبيب في أمور الحنتكور والحنتفور،
بالأمس، بعد أن تمّتْ بيننا أحلى مضاجعة وارتوتْ أنفاسُنا بأذكى نفس
وطربُتْ آذانُنا بأجملِ نغم، حدّثتَني عن الحنتكور، وأطلعتَني على نصٍ
شهيرٍ قلَّ ألا يطلّع عليه أحدٌ في البلادِ العربيّة، وقد جاء فيه:
"قد سئل إعرابيّ عما يكون الحنتكور، فارتخى وارتوى وأجاب:
هو شيءٌ يقصرُ ويطول، يسخنُ ويبردُ وليس بمريض ولا بعفريت،
له عينٌ ولا يرى، يذرفُ الدمعَ ولا يبكي، يسمّونُه في بلادِ الشام بالحمامة
لأنه يرقدُ على بَيْضَتين، ويسمّونه في بلادِ الإنكليز بالجنتلمان لأنه يقفُ
احتراماً لكل سيّدة وينحني أمام كل عجوز، ويسمّونه في فرنسا بالإشاعة
لأنه ينتقلُ من فمٍ إلى فم، ويسمّونه في بلادِ نجد وما بين النهرين بالغدّار لأنه يطعنُ من الخلف، ويسمّونه في طرابلس لبنان بالغبي لأنه لا يميّز بين بنت وصبي، يقومُ والناس نيامٌ ويصلُ الأرحام ويعطي الصدقةَ في الظلام، فهل عرفتم ما الحنتكور؟"
وهنا سنحتْ لي فرصةُ إبداءِ رأي النسوة الفصيحات الصريحات في أمور الحنتكور، وتصحيحِ مفاهيمٍ خاطئة دارتْ ولم تزل تدور حوله باسمهنَّ منذ مئات السنين، وخلافاً لما شاع من الظنون، كان مدحٌ في الطول وذمٌّ في القصر واعتبارُ المديدِ الطُوّالِ[1] أفضلُه، والدحداحِ الحنزابِ[2] لا خيرَ لهنَّ فيه، والكلُّ في ذلك على خطأ، فأكفؤهم دون شكّ معتدلُهم وخيُر الأمور أوساطُها، ولعلّني ميّالةٌ إلى قصيرٍ شحيمِ مشيقٍ[3] في شدّةِ انتصاب، فيه خيرٌ وفيرٌ لدواعي اللذة وتلافي أكيدٌ لمسبباتِ الألم، على أن يكون هزّازاً هتّاكاً حكاكاً، ومن حينٍ إلى آخر، صدّاماً خبّاطاً مقداماً، وفي معظم الأحيان خرّاطاً دقاقاً فتّاشاً[4]، وقبل وآخر كل شيء، دخالاً عواماً[5] مشفياً الغليل،
وقد اقتضى حسنُ الملاحظة وفضلُ المحافظة تأكيدَ تطابقِ أوصافِ ما ذكرتُ مع أوصافِ عضوِك الكريم في فتوّتِه الظاهرة، وله عندي عوائدٌ من الإحسان وقلائدٌ من الامتنان، وكيف لا أكونُ منه مغتبطة وله بحقيقةِ الشكر مرتبطة، والكرمُ فيه والمداعبةُ منّي ضامنان لما أردتُه وكافلان لما أنويه، فلا داعي الآن أن يبقى لتجانسِ متعتنا امتناعٌ علينا ولا للاختلاف في البدءِ بها طريقٌ إلينا، فقمتُ إليك وأتحفتُكَ بما اقتضاه شرحُ ماهيّةِ الحنتكور، وأريتُك وأريّتني ما يعنيه ولهُه في عزِّ الشباب،
وبينما نُعيد ونستعيدُ ونُمسي في أحلى وئام، تهتُ عن لذّتي بك في أخرى ذهنيّة صافية وتشعبّتْ لديّ الطرائق إلى إدراك الحقائق، فتنقلّتُ بين لذّتين مفضيتين إلى ما أسعى إليه، ووصلتُ مبتغاي فيهما معاً، وأعملتُ في نص الحنتكور القرائح وعلّقتُ عليه الأفكار اللواقح، وتساءلت مع همود التنهدّات: هل عُهِد بين الكُتّاب وأهلُ النظر رجالاً ونساءً وأخناثا أحاديّةٌ في الفكرِ وخللٌ في التفكيِر فنسوا وتناسوا عمداً وقصداً ما وجب أن يُقال عن الحنتفور؟
وكان للمعةِ الفكر وهج الرعشة، فارتعشتُ مما وصلتْ إليه أفكاري وانتبهتُ إلى السبب الدفين: قد نشأ هذا النقص الرهيب من أوهامٍ كبرتْ دون تكذيب وجهلٍ عمَّ دون تصويب، فتأمّلتُ بعد إجهاد الوصال في هذه الظاهرة المعروفة ووقفتُ على سببِها الذي لستُ بصددِ تحليله ولا الإشارة إليه خاصةً وهو غير خفيِّ على مداركِ الحاجِ الحبيب والقارئةِ المحتملة في المستقبلِ القريب، وكان ميلي الطبيعي الأكيد إلى الرد على النصّ الذكوري العتيد بعديلٍ أنثويّ بديل يروي ولا يبرّر ويصف ولا يُنصف غير الحنتفور،
وقد سُئلت إعرابيّةٌ عمّا يكون الحنتفور؟
فارتختْ وارتوتْ وأجابتْ: ترتفعُ حرارتُه ويرتعدُ فجأةً وينتفض بغتةً وليس بمريض، يبتلُّ وينشفُ وليس بإسفنج،، له عرفٌ زهريٌّ أعلى رأسه وليس بديك، يسيلُ اللعاب منه وفيه وليس بفم، له شفاهٌ وشقٌّ وليس بثغر، يمتصُّ ولا يبلع وليس بحلقوم،
يُسَمِّينَهُ النسوةُ في بلادِ الشام بالهزّازِ الغربال، فهو لا يبرح إذا ما حُنَّ عليه يهزُّ ويغربلُ دائراً سائراً دون فتورٍ ولا إعياء، ويُسَمِّينَهُ في بلاد الثيب[6] حتماً بالغشاش لدنوِّه من حيث تُطلق شرعاً النساء، ويُسَمِّينَهُ في بلادِ التنابل[7] بالمرتاح، لقلّة تمييزه في راحتِه بين سبابةٍ وخنصرٍ وإبهام، ويُسَمِّينَهُ في بلاد المُتعَبين بالمودي المـُعين إذ يودي في الدخولِ فيمتدّ وفي الخروج فيرتدّ ويعينُ في الرفعِ والحطّ، ويُسَمِّينَهُ النُسوة في بلادِ الذكور بالمحسودِ النشوان، فإذا ما أجيدَ استعمالُه انتفضَ نشواناً باستمرارٍ وتكرارٍ وكان الحسدُ نصيبُ الذكورِ منه دون النساء، ويُسَمِّينَهُ في بلاد الحجازِ بالعطّار، لأنه يمزجُ المسكَ بالعنبرِ ويفوحُ أريجه حين يروقُ له الحبيب، ويُسَمِّينَهُ في بلادِ الساحل بالمـُحار، لأنه يتفتّح ويتقلّص وينبسط ويتشنّج حتى إذا ما إختُرِقَ بهدىً أهدى اللآلئ،
وفي قولٍ أخير، يُسَمِّينَهُ في شتّى أنحاءِ البلاد، بالمعطاءِ الولاّد لصلتِه الوثيقةِ بالأرحام، به يُصان النَسْلُ وهو وحدُه مرجعُ الأنساب. فهل عرفتم ما الحنتفور؟
الحاجة الشاكرة لك إلهام النزوات
[1] - المديد: الطويل والطُوّال الذي زاد في الطول.
[2] - الدحداح: القصير والحنزابِ الذي زاد في القصر.
[3] - المشيق: الممشوق.
[4] - الفتاش: يفتشّ في الوسط والتراكين.
[5] - العوّام: يعوّم بالماء من شدّة الانبساط.
[6] - الثيب: البكر من الرجال.
[7] - التنابل: الكسالى بالعامية.

المخطوطة الثالثة: في اقتراح عقد قران
إِلى الحاج الحبيب في اقتراح عَقْد قَران،
لمّا كنتَ أيها الحاج الحبيب الأفضل في الممارسة والأبهى في المنظر
والأنعمَ في الملمس والأرهزَ في المضجع والأحمدَ في الأخلاق،
نتقّدم إليك في هذا الكتاب بطلب عقد قران يشرّع صرفَ شهوتنا معكم
ويسنُّ له القوانينَ، ويكفل سلامة نتيجته ويصون أركان سعادته.
وإذا ما كان العقد في صيغة الجمع فلأنّني مع شقيقاتي النسوة طرفٌ
واحدٌ، فكُنْ على ثقة أنَّ عابداتك المستحفظات ذكراك يصنَّها
ويتواصلنَ بموالاتِك ويتلاقَيْنَ بمحبّتِك وعليك يتحاببنَ وبك يتواصلنَ دون هجرٍ ولا انقطاع.
إلا أننا، بعد أن رأينا في كتبِ الفقهاء الجهلة أنهم يعرّفون الزواج بـ ²عقدٍ يملكُ به الرجل بِضَع المرأة²، أغرانا أن يكون تعريفُ عقدِنا معك كعقود الفقيهات الغابرات اللواتي ضاعَ أثرُهنّ مراراً لأنّ التاريخ قد دوّنه رجالُ، فعرفناه بـ ²عقدٍ تملكُ به المرأة بِضَع الرجل² ضمن نفس الشروط والمعطيات، لكننّا نأبى الظلمَ الشديدَ منّا بقدرِ ما نأباه علينا، وفضّلنا تفصيل المبادئ العامة لأصول التمتّع بقضاء الشهوة المشتركة،
لذا، نتقدّم إليك باقتراحِ عقدٍ لنوعٍ جديدٍ من الاقتران، يُسمّى بـ ²عقد استلهام واستحلام² ولنا في هذه التسمية شرحٌ وفيرٌ، نبدأه بتمهيدٍ ونُتبعه بالمقصود فنقول:
- في أسباب العقد: لمّا كنّا قد أودعنا قوّة شهويّة تدعونا إلى النكاح وتحملنا إلى الازدواج، ولما كنتُ من بين عابداتك قد امتزتُ عنهنَّ بقوّةٍ مُذَكِّرةٍ أستحضر بها ما شهوتُه في الماضي فأطلبه إن كان لذيذاً لمجرّد اللذّة وفي الحاضر استذكاراً لمجرّد الذكرى، ولما كان من لوازم معرفة شخصي لحفظ نفسي من الفناءِ التعبيرَ بالرسمِ أصوّرُ حالي في الحرمان أو بعد الرضا، أو النحتَ أجسّدُ فيه الحقائقَ البارزة وأمتّعُ به الحسَّ، أو التدوينَ لا تهمُّني معرفةَ قيمتِه بالتحقيق بقدر إتقان ما أتركُ كمتقدِّمة للمتأخرة[1]، ولما كنتَ مُلهمي ومُستحلمي[2] الأوحدَ والوحيد، كان لا بدَّ من اقتراحِ عقد استلهام واستحلام ينظّم العلاقةَ بينك وبيني وبينهم وبينهنّ وبين الأزواج أجمعين.
- في الجوهرِ وغيره: لمّا كان معنى كلمة الزواج اقتران أحد الشيئين بالآخر وازدواجهما أي صيرورتهما زوجاً بعد أن كان كلُّ واحدٍ منهما فرداً مستوحداً وحيدا، ولمّا كان النكاح بالأساسِ هو الضمّ خلال الاقتران، أطلقنا على عقدنا تسمية جديدة تُعطي، إضافة إلى حقِّ الاستمتاعِ بالآخرِ وضمِّه، حقَّ الاستلهامِ منه والاستحلامِ به، وهما خيرُ لذّةٍ يطالب بها المتحابان الفنّانان، فيُبدعان في الوصالِ وما بعده، ويتركان في الآداب والفنون آثاراً لما كانا عليه من وئام، ويتمتعان بما أحسّاه بوصةً ويُمتّعان بما أنتجاه بوصتان، ويبلغان النشوة في الواقع الشهواني مرّةً وفي الخيال المفكّر مرّتَان، وقد تكفّلتْ شريعةُ هذا العقد ببيانِ حدود العلاقة وبوضعِ رسومِها على أقربِ نهجٍ إلى السعادةِ الجنسيّة والفكريّة، وبنتْ صرحها على أمتن الدعائم وأقواها فيبلغان في الإبداعِ أمراً عظيما.
- في المباحِ وغيره: يُباح للنسوةِ كلُّ ذكرٍ يروقُ لهنَّ من الرجال، وذلك عملاً بأهم شريعةٍ من شرائع الأمم، وهي شريعةٌ، طبعاً، من اختراعنا: وانكحوا ما طاب لكم من الرجال مَثنى وثلاثَ ورُباعَ، ويلزم العمل بمدلولها ما دام عقد الاقتران. ويُباح للرجال ما أُبيح لهنَّ شرط أن يعدلوا، {فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة}، وتلك آيةٌ كريمةٌ حكيمةٌ نيّرة، عطفاً على ذلك واستنتاجاً له، لا يُباح اشتعالُ نار الغيرة في أفئدة المتعاقدين والمتعاقدات، تفادياً لسفكِ دماء الطالبين والطالبات، إذ الغيرةُ في جوهرِها حبُّ تملكٍ وحرصٌ على ملكيّةٍ وبُخلُ، وتؤدّي حُكماً إلى العراك والنفاقِ فضلاً عن انشغالِ الطرفين بالشقاقِ عما يجب عليهما من أعمالِ الوصالِ وضمانِ الإبداع.
- في شروط الإتمام: وأوّلُها، أن يقع الإيجاب والقبول بالألفاظ أو الإشارة أو التوقيع على هذا العقد الخاص، وبما أنَّ لا نكاح إلا بشهود، يكون ثانيها أن يشهدَ نديمان على الأقلّ على إتمامِه ويتمَّ الاحتفال به مُداماً وندامة، وثالثها، أن يكون العقدُ سراً مكتوماً ومُضمراً يأبى أن يكون معروفا لا علاقة للمجتمع به ولا حقّ لأحدٍ غير المتعاقدَيْن فيه ولا مرجع سواهما وإن ساءتْ الأحوال فالندمان الموثوق بهم أولى بالحكمِ، والمطلوب من المتحابين المتعاقدين كتماناً باللسان وجحوداً عند السؤال وتمويهاً في أوّلِ الأمر وآخرِه وذاك من دلائل الوفاء وكرم الطباع.
- في المهر والنفقة: والمهرُ ما يتوجبّ على المتعاقدِ لقاءَ التمتّع، ويدفعه من نال منه النصيبَ الأوفر ويُستحق للطرفين بحسب ذلك، ولا يسقطُ العقد إذا ما أُغفل ذكره، ويتوجّب بعد النكاح السابق أو قبل اللاحق ويُفضّل منه ما كان رمزياً ثميناً من صنع الطرف وإبداعه لما يحويه من شحناتٍ عاطفيّة وعطاءاتٍ فنيّة، والنفقةُ أمرٌ بلا داعي ولا ضرورة، فيقوم كل طرفٍ على تحمّلِ أتعاب معيشته وينفرد في جلب لوازمها دون أيّ ذنبٍ أو عقدة ذنب للطرف المتعاقد معه، ولا يتشارك الطرفان النفقات إلا المتعلقّة منها بالملذّات، فيقومان بتحضير ملزمات الجماع وتأمين متطلبات النكاح مناصفة أو مداورة، من موانعِ حملٍ ووسائل نشوة كالمشروبات الكحوليّة (ونخصُّ بالذكرِ منها ذاك الاسكتلندي الفاخر والفرنسي المعتّق) والمأكولات المُقويّة (ونخص منها بيض السمك الأسود من بلاد الفرس والأشقر من بلاد الفراعنة وشرائحه الزهريّة المدخّنة من بلاد النروج) وما تَقَوّى به الخيال وكثُرتْ به الطاقات (وهنا لا داعي للتخصيص).
- في أسبابِ البطلان: وهي كثيرة، منها ما ينطبقُ على كلا الطرفين، كزوال الموّدة وانتفاء الإعجاب ويعتبر عندها العقد باطلاً شرعاً، ومنها ما يتعلقُّ بالذكور، كسرعة الهراقة[3]وبطء الإفاقة من ألمِ الشهوة، وما يتعلّقُّ بالإناث عكسُ موجبات الذكورِ في البطلان، أي بطء الهراقة وسرعةِ الإفاقة، وكلا الجنسَيْن ممنوعين من النشوز[4]وتناسي الأصول[5] والعجز إذا ما تكرّر.
هذا هو المرّجح في الصدور الأمينة والعهود السليمة والأصول المستقرّة والعقود المستمرّة، وهذا ما تعاقد عليه المتحابان الموقعّان، لغاية وسعهما في ما جاء فيه باذلان، وبأقصى ما يستطيعان عاملان، باتفاقٍ في آرائهما وانقيادٍ في أهوائهما، تعاهدا وتعاقدا على ما كان الخيرُ به معقوداً والحظُّ فيه موجوداً، مؤديّان حقوقِه على أفضلِ شروطه وموفيان رسمِه على أكملِ حدودِه، ولا إخلال ولا إغفال.
الحاجة
[1] أي ما تتركه الحاجة، دون غرور، للأجيال اللاحقة!
[2] ملهم من إلهام ومستحلم من استحلام إي رؤية الحبيب والاستمتاع به في المنام!
[3] أي سرعة الإنزال لدى الرجل، أما لدى المرأة فمن المحمود السرعة فيه!
[4] أي رفض القيام بالواجبات الجنسيّة.
[5] من مداعبة وتقبيل وعناق...إلخ.
المخطوطة الرابعة
إلى الحاج الراهزِ المرتهزِ النهريزِ[1]
في أمر النكاح واستنباط لغته واستفسار أدواره،
بالأمسِ، ضمّني معك مجلسٌ وجمعني بكَ كأسٌ فأخذني إليك
خيالٌ وجلتُ بخاطري في أصلِ هواك، وعلمتُ أنه على ثلاثة
أوجه، رغبةً بك وذاك طمعٌ، وخوفاً من بُعادك وذاك شوقٌ
وحباً لك
وتلك عبادة،
واكتشفتُ خلال التجوال أن هواك قد فُرض عليّ،
فليس من جوارحي جارحة إلا وقد امتلأت به،
فرض على عقلي سلطانَه ففجّر الكلماتَ داخله
واشتهى جريَ القلمِ على الورقِ،
وفرض على لساني الصمتَ عما عقد عليه العقل فاشتهى التلوّي داخل فاهك والجريَ على المسامِ، وفرض على بصري حسن وجهك وكمال قامتك فما ارتوى ولا قَدِرَ على الحدِّ من اختلاج الرمش وارتعاش الجفون، وفرض على سمعي رخامة صوتِك وتذكُّرَ آهات عند جماعٍ فأصدر الصدرُ زفراتٍ وما ارتدع، وفرض على يديَ ذكرى نعومةٍ فاهتاجت الذكرى وعلى فخذيّ ذكرى انتصابٍ فـاستوتْ الأعضاءُ جميعها في شوقها إليك وبدأتُ أمام الجمعِ عليك أميلُ...
ودنوتُ منك وما زلتُ أُفكّر في هواك، فلم أجل خاطري في فنٍ من فنون الوصلِ إلا وجدته مقصراً عن مرادي وغير شافٍ وجدي، وكلّما ازددتُ دنواً ازددتُ ولوعاً، ونسيتُ الجمع وأقبلتُ عليك ولم أعد أدري أين أنا، وبدا من مسارق إيماض الجفون[2] أنّك علمتَ سرائري وإني خبرتُ ضمائرك وما قد أخفيناه على الحضورِ أجلُّ وأعظمُ، ووقع القبولُ من إشارةٍ بلحظ العين، فناب عن الرُسلِ والحواس أجمعين، وبلغَ بنا المبلغ العجيب، ولما أخيراً اختليتَ بي وقذفتُ بك على المضجعِ، بدأنا نجوى المتخافتين[3] ولا تصح محبّتنا إلا بعد طول مخافتة وتمادي أنس، فإن لم يُسبق النكاح بهما و يُقرن بالمداعبة فليس إلا حركة جسد خيّمت في البطون دون الأنفاس والعقول، وليس له في ذاته فائدة مهما تنوعّت مظاهره، إلا أن يسبقه اتفاقٌ وانسجامٌ ولمسُ فيستفيد الناكح والمنكوح كيف ما توزعت الأدوار بينهما،
وأنتَ أعلمُ بما أحبّ، وأحلى ما أُحبّ أيها الحبيب توأمُ النكاح[4] يؤكد جمال الدنيا وطول السغم[5] يُنسي قبحَ الآخرة، ولا أعلمُ لذّة أرقى منهما، فأمرْتُ ولبَّيْتَ وقمتَ على قامتي بانقلابٍ وغشيتَني بالحارقة[6] ولما أفضيتَ بنفسِك داخلي وجدتَ نعومةً ورطوبةً لم تعتد عليهما من قبل، ولمّا فتحتُ أخثمي الجاثمِ[7] لاستقبالك وجدتُ صلابةً وحرارةً لم أعهدهما من قبل، وبتنا على ثقة أنه لن تحل بنا بعد الموت في تلك اللحظة وفي المـُستحقّة[8] ندامةٌ ولا كآبة، وتمّت بيننا موّدة ولبستنا الشهوة وتقمّصنا الحرصُ على استكمال النعيم والشهوات، وانهمكنا في قضاءِ نهمتينا برهزٍ يوقِظُ النُوامَ وارتهازٍ يوجِبُ الآثامَ، واستمرّيتَ فيَّ مطيعاً عاصياً كلّما استسلمتُ لإيقاعِ رهزك أرهزتني بنغمٍ خارجَ اللحنِ وكلّما طربتُ للنغمِ أتحفتني بطعنةٍ بحُّتْ من أثرِها أوتارُ الصوت، هذا وكم خرقَ الفضاءَ من شهيقٍ وزفيرٍ ولهاثٍ يسلبُ العقول ويأخذ بمجامع القلوب، وما برِحتَ في دعسٍ[9] ودحزٍ[10] تتلاعبُ في عُتورٍ[11] وتُداعبُ بجذمورٍ[12] وتسخو بكرٍّ وتبخل بفرِّ حتى غيّبتَ الوعيَ إن سخيتَ وإن بَخِلتْ.
وفيما نحن في حالٍ من التناجي، أفشينا ما ضمنته أكنان القلوب فأَسرَّيتَ بمكمن لذّة الروح لديك، قلتَ هو تأمل متعة الحبيب، والتحكّم فيها، والسيطرة عليها، والصعود بها إلى أعلى الدرجات، وأضفتَ ظنّكَ ذلك المكمن حكرٌ على الرجال، وشرحتَ نظريّةً مفادها كونُه المُخوِّل بالدخول والمُفوّض بالولوج لامتلاكه ما يتم به الإدخال والإيلاج، وكأنَّ المُذكّر هو الداخل والمؤنث هو المدخول! وكأنَّ أحد طرفيّ الحياة يكتمل دون الآخر! وكأنَّ للفاعل أفضليّةٌ على المفعول! وكأن هنالك بالأساس فاعلٌ ومفعول وليس فاعلان يتفاعلان بحسب قواعد صرفٍ (للشهوة) ونحوٍ (نحو تحقيق الرغبة) متكاملَة! وكأنًّ المؤنّث لا يملك ما يُدخِل ولا ما يولِج ولا يفعل ولا يكون سوى مفعولاً به، وكأنَّه كُتب عليه أن يكتفي بأن يتم به الفعل! بل إعلمْ أيّها الحبيب أنه يَدخُل ويَلِج ويقبض على ما يدخل فيه ويحكّم فيه السيطرة وما الاختلاف في استعمال اللغة إلا انعكاسٌ لتشوّه الفكر! وهو، أي المؤنث[13]، بتمامه واكتماله وتضامنه مع المذكّر، يصبح معه الأصل والمرجع.
وقرنتُ القولَ بالفعل، ووثبتُ عليك كاللبوة الملدوغة، وأثبتُّ أنَّ لي من قوة الإرادة واحتراق الرغبة ما يمكنني من إدارة شؤون ملذاتنا، وصممّتُ على أن أًريك ما لم تره من قبل، وقلتُ في نفسي: "لأنيكنَّه نيكاً شديدا"، ومع دخولي في أصول النكاح، كان لا بدَّ لي من التروي فيما يجب له قبل الإقدام عليه، فداعبتُك حتى علا أنينُك وزاد حنينُك ورشح تضرّعُك وتسارع تأوهُك، وما إن ظهرت النتيجة وتحققت الثمرة وجُزم بالفائدة، كان لا بد لي أيضاً من إتبّاع التروي في الإيلاج، ثمَّ غشوتكَ[14] شرحاً[15] وما خفيِ عليِّ أمرٌ من مكامن لذّتك فركِبْتُك وأفضتُ عليك ضماً واستفضتُ بك قبلاً وما تأنّيتُ فيك رهزاً، واستمرَّيْتُ فيك مُقبلة مُدبِرة وكل بضعُ رهزات أتيتُكَ بها أتبعتها بنخعة[16]، ونظرتُ إليك وإذا بك كفيفٌ رحل إلى غاياتٍ بعاد، فَغَرَ فاهُ واشتّدَ عضلُه وزاد في المضجع وطؤه، فعلمتُ أنك قد أينع قطافُك وقمتُ على ينعِكَ[17] بعضٍّ سريعٍ متسارعٍ وحركاتٍ موزونة ونغماتٍ مطبوعة وأنفاسٍ مسجوعة وأقبلتُ عليك كالبحر الملتطم، أزخُّكَ زخاً لا مثيلَ له حتى حِرْتَ و دُرتَ وثرتَ وفُرتَ أمواجا،
وإنّكَ لراحلٌ معي، مستسلمٌ لي، قانعٌ بما تشهدُ من أعمالي، راضٍ عن قيادتي إيّاك في إيقاعٍ حكيم، قابلٌ ما كان في جسمي وعقلي وروحي من طاقات، مختارٌ مشاركةً ومساواةً لا أحلى منهما، وإنّك لفي كلِّ ذلك خاضعٌ لحكم الهوى مع قوّة الأمل في توحّدِ ذروة الانتشاء، ولو تدري كم ابتهجتُ برؤيتِك وكم تضاعفت لذّتي بتصور قدرتي على استدراج لذّتِك وكأنني على يقينٍ من حتميّة سيطرتي عليك في كل لحظة، ولقد اكتشفتُ في تحكّمي بما جرى وسيطرتي عليه أنني ما رويتُ قط من ماء هذا الوصل ولا زادني هذا الدورُ إلا ظمأ، ولقد بلغتُ من التمكّنِ بك أبعد الغايات التي لم أجد وراءها مرمى فما وجدتني إلا مستزيدة، ولقد طال بي ذلك فما أحسستُ بسآمة ولا رهقتني فترة،
وأمسينا معاً في دوَاَرٍ ودوّامة دون حركة وكأن المضجع قد امتلأ بالزئبق، لا يرتجف ضِلعُ أحدٍ إلا ونستهبّ[18]، ولا يختلجُ عضوٌ إلا ونستهيج، وأضحتْ اللذّةُ تسري عند أدنى ملامسة في أطراف الأصابع حتى أقاصي الذات، وما برحنا إن ضوجعنا أنـيـَّنا وإن تُركنا حَـنـَّينا، وما زلنا في اتحادٍ والتصاقٍ والتحام حتى سال الماءُ غزيراً وفيرا، والدمعُ عَبَرَ مُقْلةً وأثيرا.
من حق النعمة أن تُتلقى بالشكر وعَوْضُها وجود المزيد، و { لئن شكرتم لأزيدنّكم}، وما مزيدي سوى تدويني لما جرى، وقد أبرزته عرياناً ليس عليه حلّة ولا حُلى وتناسيتُ أن ما دوّنتُه محظور وما تقّصدتً في وصفه مرفوض، ولم أراع في لغته شعور من هو موّجه إليه ولو زاد خطرُه عليّ، وقلّبتُ فيه لغتي على وجوهٍ شتّى من الاستعارة بحيث أوجدتُ للمعنى الواحد عدّة قوالب تتراوح بين لفظٍ يتعدّاه ووجهٍ من التعبير يجدُ السبيلَ إلى سواه، فكان ما كان من حديثٍ لم أطوِ فيه اللغةَ في الخزائن وأخرجتها من جملة الدفائن، فطلع من الرقّة والجزالة في أبهى طراز، وتنقّل بين الإطناب والإيجاز، وحمَلَ قريحتي على محاكاة الذات بما استقّر منها في الفكر ونُقش في الذاكرة وغيّر في الطباع،
وليس سروري بما أحسنتُ به في وصالك بأوفر من سروري بما حقّقتُه من جرّائه وصفاً وشرحاً وتحليلا، أدام الله سروري بتواصل وصالك وشهود آثاره في كتاباتي.
الحاجة الراهزة المرتهزة النهريزة
[1]الرهز هو حركة الجماع والإرتهاز انسجامها خلاله، ولقد بحثتُ عن معنى "النهريز" طويلاً، ويبدو أنها كلمة جديدة لها وقعٌ جميلٌ في الأذنِ ولا بدّ أنها تعني الراهز دون عناء.
[2]- مسارق إيماض الجفون: سارق فلان النظر أي ينتظر منه غفلة فينظر إليه، والإيماض هو اللمعان.
[3] التخافت أي المكالمة سراً.
[4] - توأم النكاح المداعبة، وذلك حديثٌ شريفُ.
[5]السغم أن يدخل الإدخالة ثم يخرج ولا يُحبّ أن يُنزل، وطوله بمعنى تكراره.
[6] - غشيَني بالحارقة أي أتاني مستلقية على أحد جانبيّ.
[7] - الأخثم: الفرج العريض المرتفع والجاثم الذي ثبت في موضعه.
[8]- تلك لحظة النشوة والمستحقة لحظة الموت.
[9] - الدعس: النكاح بشدّة.
[10] - الدحز: الكثرة فيه.
[11] - العُتور: حركة الذكر وانتشاره.
[12] - الجذمور: أصل الذَكَرِ وقاعه.
[13] - ولعلَّ على هذه الكلمة أن تؤنثّ كتعريفها
[14] - غشوتّك: دخلتُك.
[15] - الشرح: أي أتيتُه مستلقياُ عل قفاه.
[16] - النخعةُ كلمة عاميّة لا بأس بها.
[17]أينع: نضج وحان قطافه، وينعه: نضجه.
[18] - نستهبّ: نتشهّى.
المخطوطة الخامسة
إلى الحاج في ذكرى ذاك الوصال وعلاقةِ ما دوّنتُ بما ذكرت،
بالأَمْس، أتيْتُكُ بين شرذمةٍ من ندماء وطارحتك الحديث بانتظار الغرام،
فانتبهتُ إلى أنني أطولُ القومِ لك مُصاحبة وأكثرهم لك خِلطة،
وأنَّكَ أشدُّهم بي خبرة وأطيبهم عِشرة، فوددتُ لو انفردت عنهم بك
وانعزلتُ بين ذراعيك،
وإذ بي أتذكّر ما آل إليه وضعي وأتنكّر لملزمات الخصوبة[1]،
فكان أن تراجعتُ إلى الكلام معهم وانشغلتُ بالراح عنك،
وأردتُ البعاد خوفاً من ألمِ التماس، واتكأتُ على الندمان عتباً
وعاقرتُ الخمرَ هرباً من سحر العيون،
وكلّما التقتْ اللحاظُ في اختطاف نظرة، أرهفتُ بأسي وربطتُ جأشي ورميتُ نفسي، مجدّداً، في قعر كأس، ولعنتُ حظّي ولطمتُ نفسي وشتمتُ دَوْرةَ الأرحام، كيف السبيلُ إلى الارتواء منكَ والقلبُ حائرٌ والطريقُ مسدودُ؟
راودَني حلمُ ضمِّكَ ورأيتُني ألثمُ يدَيْك وأُحسنُ جوارَ لُطفِك، فرطُبَ لساني حتى زَلّ، وكدتُ أبوحُ صراخاً من الجَوَى[2]، فبللتُ شفاهي بالراحِ والريقِ ثمَّ ابتلعته، وتذكّرتُ أنَّكَ أعطيتني عهداً وضمنتَ لي من نفسِكَ عِناق، خاصةً بعد أن تأخرتْ عنِّي صِلَتُك وضنَّ عليَّ معروفُك وما نَدِيَني منكَ قُبَلٌ لأكثر من يومين، وتركتني وحدي وما أصبتُ منك فرضاً ولا قرضاً لأكثر من ليلتَيْن، فواعدتُ نفسي أن ينالني منك أكثرُ من كثير، ورأيتُ نفسي تنزوي بين ضلوعك وتغفو على نَفَسِك، وفي التفاتةٍ مباغتةٍ منك إليّ، لمحتُ شفتَيْك المكتنزتَيْن، وتخايلتُ انهياري عليهما وانهماري والدعوةَ إلى القضم، ولم أدرِ إلاّ والدمُ يسيلُ سريعاً في العروق والنارُ تنتشرُ في الأحشاء، وها الأوردةُ تنتفخُ في الحلمتَيْن وها الأبهرُ ينتفضُ، فعلمتُ أنَّ ليلتي ليلاء، وأنّني من لوعة رغبتي سأتلظّى ومن احتراق لذّتي سأتلوّى، وأن ما سيكون بيننا لا ولن يُطفأ، فارتبك الكأس ووقع، وغسلتُكَ بالراحِ ورطّبتُكَ بنقطه من رأسك حتى قدمَيْك، وراودني عن نفسي لَحْسُك حتى داخل المسام، وتركتُ تفاصيل ذاكرتي في قعرِ القارورة وانضممتُ أخيراً إليك، وجمعني بدفئك التصاقُ القامتَيْن، وارتميتُ بلهفة فمي عليك وعلى الخدِّ الملتحي ومنه إلى الأنف العابق ومنه إلى الصدر وبَرْكِه[3]، أسبحُ في بهوه[4] حتى الصُرَّة، أداعبُ الخَصْرَ وأتنشقُ البادَ[5] وأضمُّ الصَفَنَ[6] بين راحَتَيّ، وأرنو إلى الذَكَرِ فيدعوني، وألتفُّ على الحشفةِ[7] فترتجفُ ترحيباً، وأُدخِلُها الشَجْرَ[8] برويّة، وأضغطُ عليها بحرارة، وأنزلق بها بين ضفافِ الخدَّيْن سيلاناً ولعاباً ولساناً حتى باطن الحلقوم، وذهاباً وإياباً على إيقاع شهوتي وتَوْقي إلى انتصابٍ هائل[9] وتجاوبُ جِذعِك المنتفض وتشنّجُ أصابعك وتقلّصُ إلـيــَتــَيْكَ[10] في راحةِ كفيّ، وأتوهُ فيك أكادُ أمتصِّك أكادُ أبتلعَك حتى قُرارة الروح، وإنَّ الانتصابَ لفي نعيمٍ وإنَّ الحرمانَ لفي جحيمِ، ويا حرماني منك جحيمي ويا أنتَ أدخلْ صلبي كُنْ نعيمي،
وأتيتُك الحياءَ المستباح، وهديتني العُضْوَ المستقيم، وفتحتَني الفتحَ المـُبين، وما كان ذاك ضرباً من خيال ولا تلمساً للمُحال، وما كان عليَّ أنا المحرومة منك إلا أن أدركك وأعمل عملك، لأبلغَ من الحَـوْل حَـوْلك، فأفوقُك في الإستمتاع أو أكونُ مثلَك، وأتجانسُ في الملذّات معك مجانسةَ المُشتهي للمُشتهي، لا أن ألتهي عنك وألهو بغيرِ أَبعادِك، ولا أُخفي أنَّ كلَّ وصالٍ معك فهو معركة، وأنَّ كلَّ تمنُّعٍ منك في ما هو عِمادُ نَشْوَتي فهو جِلاد، وكلَّ حركةٍ آتيها للظَـفـرِ بها فهو جِهاد، وكلّ وسيلةٍ تُظفِّرُني بالطلبِ فهي سِلاح، وكلَّ تجاذبٍ أو تدافُعٍ بيننا فهو كِفاح، وكلَّ لحظةِ لذّةٍ استخلصتها مِنك فهي غَنيمة، وكل انخذال عن حقّي بك فهو هزيمة، ولا حدّ لما أستطيعه إذا صرفتُ قِوايَ في ما هُيّئتُ له وأطلقتُ لأعضائي القوّة، واستقبلتُ ولوجِك استقبال الفاتحين، واقتدرتُ بك على إشباعِ نفسي من هواك، واستطعتُ استخلاصَ حقّي من انتصابك، وخيرُ قِواك ما حفظتَ به هذا الحقّ وعَظُمْتْ به منفعتي، ووقفَ لهيبته عضوي عندَ حدِّه، حتّى استقرّ السلامُ بيني وبينك وشملتْ الطمأنينةُ النفوس.
وحانتْ الخِشْيَةُ من قربِ فراق الأجساد وطولِ بُعاد الأرواح، فسلّمتُ أمرَ لقاء روحِك للقدرِ يقدِّرُه، ولـِــيَدِ الصُدفةِ بعد ذلك تدبِّرُه، لأنّي قد عرفتُ أنَّ وِصالَ الروحِ ثمرةٌ لا أجنيها من غِراسٍ أَغرسُه، ولا يرويه الوصال ولا تقومُ على تنمِيَتِه السِنينُ الطِوال، فهذا الفراق هو ما ينبغي أن أُداوى منه الآن، والله المستعان،
الحاجة
ملاحظة: لقد نظرتُ في ما كتبتُ في ذكرى ذاك الوصال، فما وجدتُ فيه ما يُخالف الحقيقة ولا ما يدعو إلى الخطيئة، فكلّما رقّ الوجدان ولطفت الأذهان، ارتفع الفكر وجلت النتائج، ووجدتُني أبذل الهمّةَ في استرجاع ما فقدت واستذكار ما حصل، فلم يقف الهوى بي عند التنافس معك في اللذائذ الجسدانيّة طمعاً في الوصول إلى ما تظنّه غاية مطلبي، بل رحلَ بي إلى لذائذٍ فكريّة ذهنيّة خياليّة صافية، وقد بلغتْ هذه اللذّة حداً من نفسي تغلّبتْ فيه على جميع الملذّات، وأخذت شهوة الوصول إليها من روحي مكاناً لا تصعد إليه سائر الشهوات، وقد صرفتها فيما سيقت لأجله، فكتبتُ، ودوّنتُ ما ارتعش ووصفتُ ما اختلج، وهربتُ من لذّة ما يفنى إلى منفعةِ ما يبقى، وكلّي استعدادٌ لعطاءات غير متناهية وشوقٌ إلى آدابٍ غير محدودة، وبرعتُ في هروبي ذاك فتجّلتْ لغتي في حُلْيَتِها، وبدتْ ترفل في ثياب زينتها، ولا يُعيبُني اهتمامي بذِكر اشتهائي للذَكرِ فيك أيها الحاج الحبيب، ففي تدويني قيمٌ جماليّة توازي ما في قاموس الرجال الأدبي، وتأكيدٌ لذات النسوة يوازي خصوصيّتهن وجرأة الذكور على البوح،
ذاك كان إلهامي، وجدانٌ تستَيْقِنُه نفسي وتنساق إلى ما يطلب على غيرٍ شعورٍ منها، ألقى بي في مطارح الأدب، تحملني الأفكار في مجاريها وترمي بي إلى حيث أدري ولا أدري وما كان له قيمة وما لم يكن، إنما الأعمال بالنيات.
[1]أي المحيض و الحَيْض.
[2] الجوى: الحرقة وشدّة الوجد في الهوى.
[3] - البَرْك: باطن الصدر.
[4] - البَهْو: جوف الصدر
[5] - الباد: باطن الفخذ.
[6] - الصفن: وعاء الخصيَتَيْن.
[7] - الحشفة: ما فوق الخِتان من رأسِ الذَكَر.
[8] - الشَجْر: ما انفتح من منطبق الفم.
[9] - هائل: بطعم الراح؟.
[10] - الألـْـيـَة: أحد جانبي العجيزة.
المخطوطة السادسة
إلى الحاج الواهن
الذي بالأمس لم أحظى بالكثير منه فمتّعني ولا أرضاني بالقليل فأقنعني،
ألا وإني قد دعوتك إلى جماعي ليلاً نهاراً، وسراً وعلناً،
وقلتُ لك إغزني قبل أن أُغزيك، فوالله ما غُزيتُ في عقر لذّتي إلا
ومتَّعتُ،
فتواكلتَ وتخاذلتَ حتى يئستُ منك وكففتُ عنك وانهمرتُ عليك
بالشتائم والسُباب، ها هو الحبيب قد ضنّ عليّ بالجهاد في سبيل رغبتي
وأباح خيره للأخريات اللواتي قدمتُهنَّ له عربوناً للعطاء،
فكدح لهنَّ وتصرَّف بهنَّ وتقلَّب فيهنّ ودأب عليهنَّ وجاء يخمل عليَّ،
وبين تقمّعٍ[1] وتثاؤبٍ وتمطّي، تبخرَّ الشوقُ وضاع الوقتُ واستبدَّ الغضبُ
وانتيط[2] الأمر وانتهى، وقد بلغني أنك تدخل على الأخرى التي جئتُ
لك بها فتنزع عنها قلائدها وملابسها وتنتزع منها زفراتها وشهيقها
وما تمتنع عنها إلا بعد استنزافٍ في استمتاع،
وتنصرف عنّي بعدها بحججٍ وما ينالني منك متعٌ ولا يراقُ ليَ ماء،
ولا ينفع فيك لمسٌ ولا يجدي دعسٌ[3] ولا تُفيد مداعبة، فلو من بعد هذا متُّ أسفاً ما كنتُ به ملومة، فيا عجباً عجباً بالذي يُحيي قلبَك ويجلبُ نشاطَك وينصبَ باهَك معهن ويفرقّك عن حقّي بك من بين الراغبات، فتباً لك حين صرتَ غرضاً يُرمى، أنيكُكَ ولا تنيك، وتُذلّ أنوثتي وترضى، وإذا دعوتُكَ لكفاح الرهز من فوقي، قلتَ هذه وضعيّة تُتعب الظهر، أمهليني تأتي الراحة، وإذا دعوتكَ لجهاد الوطءِ[4] من تحتي، قلتَ هذه وضعيّة تُؤلم الظهر، أمهيلني يزول الألم، كلُّ هذا فراراً من التعبِ والألم؟ فإذا كنتَ من التعبِ والألم تفرّ فأنتَ والله من كثر النيك أفرّ، يا شبهَ رجلٍ معي وأيرُ طفلٍ وحُجَجُ مراهقٍ غلام! لوددتُ أني لم أريك ولم أعرفَّك عليهن معرفةً والله جرّت ندماً وأعقبت سدماً[5]، لقد ملأتَ قلبي شكاً وشحنتَ[6] صدري غيظاً وجرَّعتني الإرتياب أنفاساً وأفسدتَ عليَّ رأيي بالأخذ والعطاء حتى لقد قال الندمان أن حُسُن ابنةُ هنود امرأةٌ حسناء لكن لا علم لها بالحب! لله أبوك، وهل إحداهنَّ أشدُّ ولعاً وأقدم فيه مقاماً منّي؟ لقد نهضتُ به وما بلغتُ التاسعة، وها أنذا قد ذرفتُ[7] الأربعين، ولكن، لا نوى ممّن لا ينتصبُ. لقد تمادَيتَ في التقصير حتى عجز العُذر عن التعبير وخجل القلمُ من التحرير، ولكن في علمي بحالِ مضاجعٍ ناكحٍ منتقلٍ من هَنٍ[8] إلى آخر قد أفرغه من خيره هواه، ما لا تحتاج معه إلى بسطِ عذرٍ يشفع لك عندي ويُقبل لديّ، رغم غضبي وغيظي وما الحق إلا على البُعدِ، ليتني يومَ بعدتُ فيه عنك كان يوماً قربتُ فيه منك، فلولا ذكراك تؤنسني إذا استوحشت لكان كلامي أقسى مما أصابَك وهجري أمرُّ ما قد يُصيبك، آه ما أطيب هذا القلب يُملي هذه الأحرف! ما أشدّه رعاية للودّ ومحافظة على العهد، والله لأثبتنَّ لك ببرهان الوداد إنني صاحبتك إذا طال ليل الكدر، تستعين برغبتي في تيسير ما عَسِر، والناس من معجِبات الصاحبات يتعجّبون! قد أطلتُ عليك اللومَ فلا تسأم، وأظنّه آخرُ كتاب عتابٍ منّي إليك، فإن تلاقينا بعد اليوم كانت المضاجعة أحلى، ولا تجزع فليس في الأمر ما يُفزع وهو أهونُ ممّا تتوهم، ففي جسمي النحيل وعقلي الحكيم ما يساعدك على الفكاكِ من هذه الأحوال المتعاقبات، والخلاص من من هذه الاسباب المتراكمات، والدواء من هذه العلل المتناقضات، ولستُ أسألك إلا أن تُسِرَّ إليّ بما يعتريك، فأسِرُّ قلبك بالطمأنينة على فحولتك، وتأكد إني إلى الأبد في حبِّك غفورٌ رحيم[9].
الحاجة
[1] تقمّع: طرد الذباب من الفراغ.
[2] أنتيط: من اناط أي قطعَ وهو فعل معتّل، وقد اصرّت الحاجة على خطئها، هل من مانع؟
[3] الدعس: النكاح بشدّة.
[4] الوطء: الجماع.
[5] سدماً: أسفاً.
[6] شحنتَ: ملأتَ.
[7] ذرفتُ الأربعين: زدتُ عليها.
[8]هَنُ: كناية عن كل اسم جنس لشيء لا تذكره باسمه (وغالباُ ما يُقصد به الفرج).
[9] - وتُقال في هذه الصيغة أيضاُ للمتكلّم المؤنث.
المخطوطة السابعة
إلى الحاج المُتغابي في وهن أنثى الانسان ورد فعل ذكره عليه،
بالأمس، عجزتُ عن مجاراتِك بالأهواء، لم أذق منك حلاوةَ مجلسٍ،
لم أشرب من محبّتك كأساً رويّة، لم تجرِ بيننا أنهارُ ودّ،
وجئتَ تلوِّحُ برغبتك كالثور ناصباً قرنه، وألحيّتَ بشهوتك المنتصبة،
دعوتني ولم أجب، أمرتني ولم أطع، ظننتَ سلبيّتي تُبطن لك الغيلة
وتعمل عليك الحيلة همُّك كلُّه في حالِ أمرِك ولاحقِ فعلِك،
وما همَّك حملي على النفرة بعد النفرة، وداخلي ثورة بعد ثورة،
وفي الآخر اتهّمتَ حُسْنَ بالكذب، فعلى من أكذب؟
أعلى حبيب العمر؟ أم على كذبة العمر؟
كلا والله، هي لهجة من ادعّى ولم يكن يوماً من أهل الغرام!
رفضتُك فهاجمتَني ورفضتَ رفضي ولم أهاجمك، إخترتُ الهروبَ فخالفتَني واستمرّيتَ في التهربِّ ولم أخالفك، قمعتَ بعنفِ الحيوان فيك عصياني، نلتَ باضمحلال ما حَسُنَ فيك استكانتي، حنَيْتَ عنفواني بسوء طبعك، فتمّكنّتْ من سويداءِ قلبي رهبتِك، ومن اضطرابٍ بلا سكون إلى سكونٍ بلا اضطراب، قمتَ بالنكاح حين وقفتُ عنه، ومضَيْتَ فيه حين انصرفتُ عنه، واستمريّتَ حين تقبّعتُ،
ولم يُخفَ عليك فرقٌ بين أنينِ ألمي وتأوه متعتي، لكنّك ادعيّتَ أخذَ هذا بذاك ولم يمتزجان، أمهلتُك طويلاً لعلّك تنتبه، منحتك جميل صبري لعلّك تنثني، فيا عجبي، ومالي لا أعجب؟ من أنانيّتك، لا تقتصَّ أثر رغبة ولا تقتدِ أثر شهوة، قد صرّح لك ما بين فخذيّ عن تمنّعه، فحجزتْك شهوتُك عن الإرتداد، فلو أنّك عاينت ما جفَّ فيّ ومات لفهمتَ وارتددت، لكنّك حجبتَ عن فَهمِك ما قد بان، وتغاضيتَ بباهك عن انغلاقي... بحقٍ أقولُ لقد جاهرتْ أعضائي بالعجز وزَجَرَتْك بما أنت فيه مُزدجرُ، ولم تأبه ولم ترد، ولقيتُ منك برحاً بارحاً[1] وكنتَ في نشوتك غريراً، لم تُفد عِوَضاً ولم أَنَلْ مفترضاً، وبقيتُ في حال شجو[2]ٍ ووصبٍ[3] وسدمٍ[4] وبقيتَ وحدك بعدها سادراً حائراً، تطلقُ على ما فعلتَ كنية خطئك تدّعي التساؤل عمّا جرى في غمرةٍ مؤلمة وأنّةٍ موجعة! إنّك تعلمُ علمَ اليقين إني ما أتيتُك اختياراً ولا جئتُك شوقاً بل مغمضة عنك مترفعّة، فأغمضتَ عينيك عن قرفي، تقولُ هو خافٍ وقد أشهرته، تدّعي هو مستتر وقد نشرته، أما عن ثبوت دلائله وانكشاف ما ادّعَيتَ أنه قد غاب فحدّث ولا حرج! بابُ المتعةِ ضيّقٌ مُغلق، درفتاه منقبضتان، جفافُه يمنع المُراد، قفوفه[5] يُعسّر الدخولُ المقبولُ، خيره غاض وغار[6]، في كل ذلك حجج ثابتة له ودلائلٌ كافية عليه، وإن كانتْ المرأةُ في الإنتصاب صامتة فحجّتها في الجفاف ناطقة، ودلالتها فيه على العجزِ قائمة، ولا أراه مما يصعب إدراكه إلا على من لا يريد أن يُدرك ويحبّ أن يُرغم نفسه الفهّامة على ألا تفهم! الفكرُ مكدورٌ والصدرُ مسدودٌ، فهل يمكن مع هذين الخللين أن يستقيم أمر رغبتي؟ يصعبُ افتعال مظاهر تجاوبي فمن أين آتي بالماء؟ لا أرى المرأة ممن يهون اقتحامها في حال سلبيّتها إلا فيما تدعّون التنكّر له، وذلك هو اغتصابُ، وادعاء الرجل صعوبة اغتصابه خاطىءٌ مغلوط، فهو أهون لسهولة انتصابه، وما أرغبُ سوى بإذاقتك مرَّ الاغتصاب عبر إدخال قضيبٍ من حديدٍ في شرجك، علّك عندها تفهم، علّك بعدها تتعاطف! وإذ أسكتُ تقولون حرصتُ على جهلكم وإذ أقولُ تقولونُ جنّتْ العاهرة! ولو أُبيح مكنونَ ما يجري بين أفخاذ النساء وعُمِّم لاضطربتم أيما اضطراب! قد اتخذّتم التجاهل سياسةً واتخذكم الجهلُ أشراك[7]! وها إنّي أجاهرُ وأعلمكم، أيّها الرجال الأحبّاء، أنظروا في ما ذكرته بعين الرأي الثاقب لا الهوى الغالب، فإنّا أعطيناكم في كتابنا هذا مفتاحَ ما فيه صلاح أمرنا وبلوغ نشوتِكم، مفتاحاً يطمئن قلبكم ويزول بفعله عجزُنا إن شاء الله.
الحاجة
[1] - أي شدّة واذى.
[2] - أي الحزن والكمد في الحب.
[3] - أي الهم والحزن فيه.
[4] - الحب الذي يتبعه ندم.
[5] - قفوف ومصدرها قفَّ الشيء أي تمّ وجفّ جفافاً تاماً.
[6] - غاض الخير وغار أي نضب الماء.
[7] - جمع شريك أشراك أي شركاء كجمع شريف أشراف.
المخطوطة الثامنة
إلى الحاج الحبيب في دعاء استنكاح،
أيها الرجل الحبيب العشيق، علمتُ أنك سمعتَ عن رسائلي
وأنّك في بحثٍ مستميتٍ عن مخبئها،
قيلَ لك حُسْنُ تكتب خفيةً ومُخالسة، وتتجنّبُ إطلاعك حيلةً ومخاتلة،
وتنهمكُ في قرع الأكواب والتهالك على الشراب،
وترفع الحجاب عن السر وتكشف ستار الحياء،
لمَ إذْ صدّقتَ، وقد سمعتَ تقوّلاً وأسرعتَ تقبلا،
لَمْ تُسرِّحَني تسريحاً جميلا ؟
لأنّك، أيها الحبيب، تظنُّ بي الظنون وتتربصّ بي ريب المنون،
إنّك، أيها الخليل، تُلصقُ بي تُهَمَ هدمِ الشرفِ
فأفرُّ منك إلى رسائلي إليك، وما زلتَ تعجز عن الفهمِ، فأقول أكثر وأشرح، إني أفرُّ من منك إلى حيثُ أهلك، وما زلتَ في تسرّعك في الأحكام وذهابك مع الأوهام، وما زلتَ تعجز عن الإدراك، فأضطرُّ، في هذا الزمن اللئيم، إلى التبرير:
أجل، لقد كتبتُ، وناجيتُ الحبيب في رسائلي الأولى فحوّلتُ سيئاته حسنات، وألبستُ نقصه ثوب الكمال، وأظهرتُ دنيئاته في قوالب الفضائل، ومثّلتُ صورته على مثال جميل الظاهر والباطن ولم أدعْ خلقاً مذموماً اتصّف به إلا قلبته إلىضدّه وأوّلته بما يباينه، وما زلتَ تتساءل من هو الحاج الحبيب العشيق الخليل؟ أما آن لك أن تنتفع باللمح الباصر من عِيان الأمور؟ لكنّي أعرف أنّكَ ستسلك مدارج أسلافك الرجال بادعائك الأباطيل فراراً من الحقيقة وجحوداً لما هو ألزم لك من شرفك[1]، وسيكون لرسائلي ضربٌ شديد الوقع عظيم الصدع، ولستُ في خوفٍ من حلول الأجل وقد يئستُ من بلوغ الأمل، لكنّي ما زلتُ أصرُّ:
أجل لقد كتبت وبحت، علّمتني رسائلي كيف تُناجي الأرواحُ أشباحَها وكيف تُحادثُ العقولُ أفكارها والقلوبُ أسرارَها، مباعدةً ما بيني وبينك من تضارب مترفّعةً عن الأضداد، أجل لقد كتبت، حكى قلمي الفسق والفجور وهو عفيفٌ طيّبُ الإزار، روى فكان نجسَ العرض داعراً وفعل فكان نقيَّه طاهراً، لم ينزّه نفسه عما يُعاب فتماجع وتماجن وتجالع وهو حَصانٌ مُصان،
أجل لقد كتبت، ومتعةُ الحديثِ عن متعتي جريمة ووراءها يختبىء سبب العقاب، وقلمي أداتها وموجبها، وأداة القتل مجهولة لكنّها مثيلته في الحدّة والصراحة، وفي تدوين الحقيقة يكمن تبرير مقتلي،
والحمد لله إني كتبت، والحمدُ للهزل الساخر الذي يساعدني على صنف الرجال، والحمد للحاج الذي أحسنَ الوصال وأحكمه ترتيباً وتدبيرا، واخترعه ضروباً وأصنافا، وابتدعه أجناساً وأوضاعا، فتركَ على النفسِ شواهدَ الصنعة البارعة أدباً وعلى الجسدِ آثار النعمة الجامعة قُبَلاً، ولا شريك له معاونٌ ولا مشيرٌ مبصرُ، إن أوحشتني الغربة آنسني ذِكْرُه وإن رطُبَ فرجي آنسني ذَكَرُه، جعل مائي أوّلَ سيلٍ ينتزعه من جواهري وأوّلَ فيضٍ يرتجعه من دُرَرِ فيضه عليَّ، وصان أنوثتي بيسار[2] رجولته ولم يُفقر مائي بإقتار[3] مائه، الحمدُ له الذي جعلَ المحبة إلىالظفر به سبيلاً والخضوعَ لها في تلبية نزواتها دليلا، وحرّكَ بها النفوسَ والشهواتَ إلى كمالاتٍ إيثاراً لطلبها وتحصيلا. والحمد له على ما أولاني من نعمه التي كان أملي عليها حائماً فغدا لها حائزاً، فلم يجعلني في أدبي عقيمة سقيمة وأنزلَ عليَّ الوحيَ الغزيرَ وجعلني بعطائه عبدةً مملوكةً له وأقنعني أن أملكَ منه ما ملَّكتني وشوقي إلى نِعَمِه نِـعْمَ الوحي وحرماني من خيرِه خيرُ ملهمِ.
الحاجّة
[1] - لعلها تعني أن بقاءها على قيد الوجود بقرب الرجل الذي تحبّ ألزم له من شرفه.
[2] اليسار : الغنى.
[3] الإقتار: الفقر.
المخطوطة التاسعة
لماذا؟
أيّها الرفيق،
لستُ بنادمةٍ على ما فعلت وإن كان عليّ تكرار فعلتي لما تردّدت
ولا تهربّت!
أنظر إلى تاريخ علاقتي بك بعينٍ ناقدة وأذنٍ صاغية وقلبٍ مفتوحٍ
على الألم والوحدة،
يبدو أنّ مأساتي معك مستمرٌّة منذ آلاف السنين
وتتكرّر على مرّ الأجيال،
لا يتغيّر في معطياتها أمرٌ ولا تنفع فيها تطوّرات ولا تجري فيها أحداث
ولا يذُكر خلالها ثورة،
لا بدّ للتاريخ من السير إلى الأمام
وإن كان لي أن أغيّر مجراه وحدي فإنّي أخيراً قد تجرأتُ!
هل بإمكاني أن أوجز عمراً مضى بانتظار أن يتحقّق الحلم؟ لقد كنتُ في زمنٍ سحيقٍ أوجز وحدي معنى الحضارة، أختصر داخلي كل طاقات العطاء الأزلي، ولم أجد من سبيلٍ للتعبير عمّا يلتهب داخلي من أشواقٍ محرومة ومتعٍ ممنوعة إلا الكتابة، ولعلّي وجدتُ في ذلك طريقاً للتنفيس عن غضبي والانتقام ممّن سبّبه، فتقصّدتُ قول ما لا يقال واعتماد التمويه والتضليل وزرع الشك في ضلوع من أحبّ ومن أكره والريبة في تلافيف القلوب، وسيظنّ الأغبياء في حريّتي الجديدة نقضاً لذمّة العطاء وجراً لما قد يصادفونه من بلاء، وسيلوون دون انتباه القصد منها ويعكسون المراد، وسيتجنّون عليّ، وسيتقوّلون عنّي ما لم أقل ويدّعون ذنباً لم أفعله وأنا مما يتّهمونني به خلاء براء، ولن يدفعني موقف الحمق ذاك إلا إلى المثابرة، فدأبتُ في الوصول إلى حريّتي واجتهدتُ في الحصول عليها ولم أبق على ما كنتُ عليه من حالٍ متحليّة بما يصبّ في مصالحه ويُسمّى بجميل الصبر، ازداد قلمي جنوحاً وثورتي غضباً وخرجتُ إلى العالم وأردتُ إطلاعه على ما كتبت، وإذ بالعالم يقيم منه أغراضاً موهومة وغاياتٍ غير معلومة، ويأخذه الغضب وتغشاه الحدّة ويأتي من الأقوال والأفعال بما يوهم أن في أوراقي خطراً أو تحت الحجاب سراً مستورا، حتى أنه رأى فيها تغييرٌ لسنّة الله في خلقه وانقلابٌ في سير المجتمع الإنساني! وقد أُلهم عقلي وأُشعرتْ نفسي أن عمري من جرّاء ذلك لا بدَّ قصيرٌ، وقد كان هذا الإلهام زاخم البديهة في جلائه، وأدركتُ قرب مقتلي على يد الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء، ولم أقدر على التوقف ولم أرضخ ولم أقبل، بعض النفوس تدفعها أحوالها إلى القناعة والإكتفاء وتنتهي في معظم الأحيان إلى القبول بما كُتب عليها وسمّي بالمصير، لكنّي نظرتُ إلى أحوالي وتبدلها وسرعة تغيّرها وما وراء هذه الظواهر من مكنونات السرائر، وانتبهتُ وتيقّظت، وعلمتُ أنّه لا بدّ من قتيلٍ لتغيير المسار ونقض هذا المصير المشين، وإن كان لا بدّ من مقتل أحدنا فليكن الجاهل بيننا من يدفع الثمن!
فيا أيها الشريك،
لقد قرأتِ وتمتّعتِ بقربي منك واختلافي عنهم كما قُدّر لي المتاع بأدبي الناتج عن بعدي عنهم، وقد وجدتِ في الكتابة معي وعنّي نزهةً لخاطرك وفي نفائسها نوعاً من التسلية تًسرُّ به نفسك ويمضي بها وقتك، وإنّي لعلى ثقة أنّه لن يقهرك بعد القراءة كذب الاقاويل وخدع الأباطيل، وأنّك لن تشاركي في اللوم الذي سينهمر من كل الجهات وتدعينني أفرُّ من وجه عدالةٍ وضع أسسها أشباه الرجال لأنّكِ شريكتي في ما كتبتُ وفي ما فعلت، وإن تمّ القبض عليّ فالحياة في مصحّ أرحم منها بين الخونة والجبناء وسأتركّك بعيداً عن أنظار المحقّقين والمفتشين كي تكملي عنّي المسيرة، وإنقاذاً منّي لمصيرنا معاً، أقول لك: ليس من العقل في شيء الإبقاء على أمرٍ لا تُحسن عقباه، ما عليك سوى تكرار ما فعلت ومحو آثار شراكتنا، إنّي قد قمتُ بإحراق الدليل المشير إلى جريمتنا وأتلفتُ المخطوطات التي كانت عذراً مباشراً لما قمنا به.
أيها الصديق الحبيب،
لعلّك تهمس لنفسك أن الحاجة معتوهةٌ مجنونة، فاعلم أن الجنون وحده يودي إلى التحرّر من القيود، ولا تنس أنّك توارثتَ عوائدك عن والدك رحمه الله ومرنتِ عليها من مهدِك حتى اليوم، وتعوّدتَ عدم تفويض إرادتك إلى الغير، وادرك أنهم سيطلبون منك خلعَ جميع ذلك، ولكون أرباب هذا الطلب يرومون إلى أن تكون أهدافهم، وهي ما هي، كأهدافنا، وهي ما هي، لن ينجحوا في مقصدهم وقد كتبتُ وقلتُ وتشارك في القول والفعل والكتابة، وليكن ما يكون! كان الله بعوننا اثنينا!
الحاجة حسن بنت هنود آل فارس المكارم
المخطوطة العاشرة*
لأن...
* (وقد احترقتْ ولم يعد لها أثر سوى بقايا رمادية)
المخطوطة الحادية عشر
أحقاً؟
أيها الرفيق والنديم والشبيه والقرين،
ما توجّهتُ إليكَ إلا لثقتي بكَ تفيضُ عن العقل ويندهش من براءتها
اللبيبُ، وما خصصّتكَ بدُرَري إلا قرفاً من زرافات[1] وجماعات
وتفادياً لقالٍ وقيلٍ وما يقولون وفيمَ أنتَ وذاك،
فلستُ آبه إلا برأيك، ولستُ أطمع إلا بضَحِكك،
فإيّاكَ واتهامي بالإباحية، فقد أحدثتُ أحداثاً لم تكن،
وشرّعتُ شريعةً لن تكون،
فإني لا أجد أحداً إتُّهم بهما إلا وقُطع لسانه،
وإيّاكَ واتهامي بالابتذال والخلاعية، فلقد اخترتُ ما حُرِّمتْ معالجته
من المواضيع وقصدتُ ما صعُبَ قوله من تراكمات التعقيد،
ولا أجد من تفهّمَ ما حاولتُه إلا أملي بك الضئيل،
وأنا على يقينٍ من أنكَ لن تُحدث لكل ذنبٍ عقوبة
وأنكَ مثلي من الجادّين العابثين، ثمَّ إيّاكَ إيّاكَ أن تتوهم
أنَّ كتابتي مجموعُ ألفاظٍ ولفيفُ كلماتٍ تخطفتُها من مواقعها
وإني اقتصرتُ من الأقوال على تردادها، إنّما تقصّدتُ أن أبيُّن محاسن الوصال ولغته من وجهة نظر النساء في هذه الأوقات العصيبة، وما تميل إليه وما تتوجه إليه رغباتهن، كل ذلك بعباراتٍ فصيحة رفيعة الألفاظ تنقل مشاعرهنّ وحكايات شهواتهن، وقد اعتمدتُ في ذلك على خبرتي بالأحوال وقصص الرفيقات ذوات النظرِ الدقيقِ في حقائق الأمور وما أكنّته الصدور، وقد دقّقتُ في أقوالهن وأفعالهنّ تدقيقَ البصير حتى أتى قولي حاكياً لما في النفوس محدثاً لما تميل إليه القلوب حكاية الصدق وحديث المجون،
ولا تظنّ إني من اللواتي اخترن الفانية على الباقية بعد أن سدّت مسامعي الشهوات وما بقي غير إرضائها والتبليغ عنها لصد يأس العمر وتبريرِ تفاهة العيشِ، بل ثق أني وجدتُ في ما تركتُ أحلى وعد وخيرُ عزاء، وقد كنتُ في بادىء الأمرِ أبحثُ عن وسيلةٍ للتعبير عمّا يفور ويهوج داخلي، فغنّيتُ أحلى القصائد مغنى أصيلاً ورقصتُ أبدع الرقصات إيقاعاً دفيناً، ورسمتُ زخارف منمنمات رسماً دقيقاً، وعرفتُ أنَّ مذاهب الإبداع تتفقُّ كثيراً وتختلفُ قليلا، والأغراض فيها تقعُ ضروباً وتفترقُ فنونا، لكنَّ نفسي مائلةٌ الى الأدبِ المدوّنِ بالطباعِ المركّبةِ فيها، أروّحُ فيه من تعبِ الجدّ وأخلصُ من كلفِ الكدّ، وقد وجدتُ في الكتابةِ نزهةً لخاطري وفي نفائسها نوعاً من التسلية تُسرُّ به نفسي ويمضي بها وقتي، فانقسمت مذاهب أدبي بين مزحٍ وجد ومدحٍ وذم وهزلٍ ومداعبة وغضبٍ واستعطاف، وكلي ثقة أن الحديث عن هواماتي من الأمور التي يُحمد التعرض لها لعموميّة قواسمها المشتركة لدى النسوة الأخريات،
وأعترفُ أنّني كثيراً ما شكّكتُ بقيمة ما كتبت وظننتُ فيه أخطر السوء، وأن جميع ما قلتُه في هذه الرسائل ليس إلا تعبير عن اتجاهاتٍ مشتتة وأفكارٍ مجزّأة وليس من مقاصدي ولا من مبتغاياتي، فيأخذني الغضب وتغشاني الحدّة وآتي من التمزيق والرمي بما يوهمني إني توقفّت، وأعودُ بعد هدوء ثورتي وهمود بركاني فأكتب وأكتب دون دقّة ولا تبصّر، وأكتب وأكتب ولا أبالي، وحاولتُ أن أكفَّ عن تناول ما لا يجب أن يُقال خوفَ العار اللاحق من قوله، وما استطعتْ، فلا ضمانة لاستمراري إلا بالكتابة رغماً للموانع وقسراً للقواطع، وقد عظّمَ خطرَها ضعفُ طبيعةِ من سيقرأ وميلُه الطبيعيّ إلى التخلّف وغلبةُ الخوف عليه، وفي ذلك الويلُ على كياني والخطر على وجودي، فهل توقفّتُ أو كففت؟ والله لو احتقرتُ نفسي ما كتبتُ كلمة! وقد سبق وأسأتُ الظنَّ بها أكثر مما أساءه غيري، وقرّرتُ أن أكون لها أفضل ممّا كنتُه حتى اليوم، ووجدتني أدعو: اللهمَّ عرّفني بأقدارِ نفسي، فذلك أنفسُ ما تُعطي وأفضلُ ما تهب، لكنّني أقول لك ما لم أقله من قبل: لم أجروء يوماً على إطلاع أحد!
فيا أيها الرفيق والنديم والشبيه والقرين،
لقد خبأتها لك كي تقرأها وستفعل، وكي تطلع الآخرين عليها وستتجرأ، ولكونك شبيهي وقريني، ستجد في الكتابة عنها نزهةً لخاطرك مثلي وفي نفائسها نوعاً من التسلية تًسرُّ به نفسك ويمضي بها وقتك، لكن استغرابك سيزداد كلّما بدت على ما تقرأ وتكتب معارضة، وكلما رأيتَ علائم الإستنكار اشتدّ انفعالك وعلمتَ أنّك قاربت الحقيقة، وكلما اشتدّ انفعالك ازددتَ في جنوحك وظهر أثرُه في قولِك والتهب قلمُك حتى أحرقَ الورق!
أيها الرفيق والنديم والشبيه والقرين،
لقد حاولتُ قدر المستطاع التصرفَّ بجملة وتفصيل وإطالة وتعليل، وربما كنت مقدرة أنني قد أبلغت وأنا مقصّرة، وبلغت وأنا متأخّرة، ولعلي قلتُ ففارقتُ معناي ووصفتُ فتجاوزت مغزاي، لكني لم أجد إلى الانصراف عن الكتابة سبيلاً ولا عن ممارستها عدولا،
لذلك، انتبه، للأدب على أهله شروطٌ محفوظة عند الأذكياء مجهولةٌ عند المدّعين الأغبياء، ولا تنفع فيه الشكوى ولا يُقدّم لصاحبه اعترافٌ إلا ببيانٍ من الواقع وشاهدٍ من الفعل، أكرّر لك: إنتبه! سيحاولُ بعضُهم خلعَ شعارِ الأدب الصريح عن النسوة ذوات الحقوق والواجبات وإلباسِهنّ جميعاً لباس الجهالة والتبعيّة، لكنّي أبيتُ وستأبى إلا أن نثبت وجوداً ضرورياً ورأياً خصوصياً للمرأة ولو كره المكذّبون، ومهما بلغنا معاً من مبالغ الفحش وكثر كلامنا في مجال الجنس، لن يكون لنا كيان ولا بقاءٌ ما لم نكن ذوات هدفٍ معلوم وخطّة لا تقبل الشك، يدّل على ذلك ما قدّمتُ من مواضيعٍ في رسائلي إليك وما ستعالجه في تفاصيل قصّتك معي،
واعلم أنّك ستصبح حديث الناس في أيّام مشؤومة لن يغيّر فيها مرور الزمن سوى القليل القليل، وصدى أخبارك سيصدع آذانك وأنتِ بين تصديقٍ وتكذيب، والكلُّ مصرٌ مستمرٌ في اتهامه الفظيع، وستذهب محاولاتُك النفيَ أو التأكيد أدراجَ الرياح، وستتّخذ قرارَ التوقف ثمَّ تتضّح لك ضرورة الهروب، وستحاول التراجع وتجد نفسك مرغماً على المثابرة، وبين استغراب واندهاش، لن تنال في الحقيقة مما سيجري أي شيء، ولن تبتغي سوى الرضا عن الذات، وستأبى إلا أن تقول ولو كثر المدّعون، ولئن كان من فضل هذه الرسائل أن يُكتب في صدر تاريخها تحرير اللغة من قيود الممنوعات، فقد رجوتُ أن تختمها بتحرير الأدب من الخوف، وحسن ذلك ابتداء وحسن ذلك ختام، وإن كنتُ أرجو لك أن تسلم من عتب المتغيّب وعنت المتعنّت وأن تصادف عنده ستراً عليك في ما انبسطتَ فيه وحراسةً لك في ما استرسلتَ به،
فيا أيها الرفيق والنديم والشبيه والقرين،
إنّي في رسائلي هذه إنّما حاولتُ تبليغ رسالات وإتمام عِدات[2] وتمام كلمات، فإن أخذتَ بها لحقتَ وغنمتَ وإن وقفتَ عنها ضللتَ وندمتَ، قد قلتُ لك أشياء مجمّلة بسّطها بما أرتضيه في بيانٍ وتفصيل، وتمّم ما بدأتُ به وفصّل ما أجملت دون انتباه، بالله عليك خذ بما ترتئيه واسلك طريق المسيرة، ولا تكون تشويهاً للرائدين ولا تشخيصاً للموهمين، وكُلّي أملٌ أن يحوز هذا الكتيّب قبولاً عند معاصريك من أولياء الأدب الرفيع ما نسجتُ على هذا المنوال وسلكتُ ذلك السبيل، فلهمٌ شغفٌ بمطالعة أسرار النكاح من وجهة نظر النساء دون عزولٍ ولا رقيب، وفيهم الميل الأكيد إلى ما يعرّفهم بما يحدث في أكبادهنّ وأعضائهنّ ويروي لهم ما يصحُّ من أنبائهن لنَدرةِ ما كُتِب حتى تاريخِه وقلّةِ ما أُبيح، خاصةً وأنّه لم يُحِطْ بها لحظُ لاحظٍ ولا حفظُ حافظٍ ولم يأتِ على وصفها أحدٌ حتى اللحظة،
وما كان عليَّ سوى أن أقول، فكان لكَ هذا الكتاب الذي بإذني وإذنك سيروج في زمنك رواجاً يكون للرفاق نوراً على نور ونوعاً من عملٍ مبرور وسعيٍ مشكور يولي صاحباته شكراً وثناءَ، ودمتَ،
الحاجة حسن بنت هنود ىل فارس المكارم
[1] زرافة: جماعة من الناس.
[2] ومفردها عِدة بمعنى الوعد.
المخطوطة الثانية عشر
في ختام الرسائل
أيها القارىء العزيز،
ما عليك سوى أن تفطن: كان حبّي بعد بغضها
وبغضها بعد حبّي، ورضاي بعد غضبها
وغضبها بعد رضاي، وعزمي بعد إنابتها
وعزمها بعد إنابتي،
وخاطري لما لم يكن في وهمها وفكرها حين غروب ما أعتقده عن ذهني،
وما قولي وقولها إلا واحد، هل فطنت إلى من نكون؟
فلأشرح: خرجتْ من رأسي حين أتتْ إليّ في لحظة كَيْفٍ وانبساط، راودتني عن نفسي فعادتْ ودخلتْ إلى رأسي وملأته، ثمّ جاءت تطالبني بالإستقلال! طاوعتها ثمّ صارعتها، غلبتَها ثم سيطرت عليّ، خرجتْ أخيراً عن طاعتي وغيّرت مراراً المسار! أخذتني ثم عادت بي ثم أخذتني ثم عادت بي حتى أصبتُ أحياناً كثيرة بالدوار! ألزمتني القلم والورقة أياماً وشهوراً، سجنتني وحدي داخل حدودها وأصرّت في كل مرّة أن تخرج وحدها من الإطار! ألم تفطن بعد؟
ماذا عليّ أن أقول بعد كي أساعدك، وقد أعادتني إلى رشدي حين تهتُ وحين كادتْ هي تعقلُ جعلتها بالحيلة تجنّ؟ ما الفرق بين التدوين الخطي على ورقٍ قديمٍ جميلٍ بحبرٍ سميكٍ أزرقٍ مائلٍ إلى السواد وشاشة الكومبيوتر الفضيّة والنشر الإلكتروني الحديث؟ أين التناقض بين حاجةٍ لعوبٍ مغناجٍ تهوى الكلام وفتاةٍ مراهقةٍ محافظة لم تخرج من طور المراهقة وامرأةٍ حالمة تدّعي الواقعيّة الساخرة؟ ألم تجده بعد؟ إذاً، أنتَ على حق!
التجزئة ضرورة من ضرورات المنطق، لا جدوى من التفرقة، لا وجود للتناقضات، الكل يحيا داخل المادة الرمادية من الدماغ ويتفاعل بحسب تضارب النورونات، كل الاحتمالات واردة، أجمل الحقائق تلك التي تتشكّل بحسب اختلاف وجهات النظر، أجمل الأدوار تلك التي تتأرجح بحسب تذبذب الانفعالات، أجمل الكتابة تلك التي تنطلق بلا قيدٍ ولا رباط، أجمل الأساليب ذلك الذي يسمح بمتعة التلاعب والتشدقّ بالكلمات، وما تعدّديّة الأدوار سوى أوهام، الجدّة والحفيدة والكاتبة مجرّد محاولة، الحاجة حسن وحسّانة وأصدقاؤهنّ ما هنّ سوى وجهٌ واحد لكاتبةٍ معلقّة تبحث عن قارىءٍ محتملٍ كلّف نفسه عناء الوصول إلى هذا الحد... ترى، هل كان على حق؟
التوقيع: حُسُن
المخطوطة الثالثة عشر
عن تنفيذ هذا الكتاب
في ذكرى من دعتني ودعمتني وعلّمتني، حمداً لها ألهمتني
وميّزتني باختلاف لغتي وعلّمتني الإتقان والحكمة،
وشكراً لها ساعدتني في ما أسديتُه من خدمة وكل نعمة،
وعذراً عنها في ما دوّنتُه بكثرة من أزمانٍ مؤرخة
بحسب كل لحظة،
قد أوحشَ حواسي الظاهرة البعدُ عن طلعتها الزاهرة وأدهشها القربُ من نعمتها الباهرة، وكان حسّي من حسّها في نعيمٍ مقيم وسرورٍ بلذّة الوحي مستديم، كلُّ يومٍ مرّ عليّ معها عيدٌ ولي في سماعِ احتمال لقائها مجدداً سرورٌ جديد،
وبعد، فقد تمّتْ كتابةُ الجزء الأول من مرجع المعارف الأنثوية وسرّها اللامع "رسائل الحاجة في زمن الحاجة" في لغة من سبق والجزء الثاني منه في لغةِ من بحث على أمل خلق الجزء الثالث والأخير في لغة من وجد، وقد تمَّ طبع مهذّب الآداب الإيروتيكية ونورها الجامع واعتنى بنقله حضرة الكمبيوتر المحترم بواسطة برنامج الكلمة[1] وكلّنا للأستاذ بيل غايتس من الشاكرين والشاكرات، وتمّت طباعته على طابعة اللايزر الخاصّة ذات الأحرف السامية والخطوط البهيّة طالبين لها جزيل الثواب، ومن ثمَّ تمَّ نشره عبر البريد الإلكتروني أدام الله العاملين على إزالة الرواقب ورفع العواقب عن الباحثين والباحثات، وذلك بإشراف القلّة من الرفاق ونخصّ منهم حضرات السادة الأمّهات المشرفات اللواتي أعفيننا من هموم النفخ والطبخ فسمحوا لنا بالتفرّغ للكتابة، وحضرات السادة العارفين الذين تفانوا في العطاء والقراءة، وحضرات السادة الخليلين والفقيهين الذين من محبّتهم كادوا يقتلوننا بالفقه والبلاغة، وحضرات السادة السالمين الذين قدّموا لنا دفاتر ملونة فارغة فأمضينا الوقتَ في ملئها دون توقّعات ولا إجابة، وكل من شجّعنا على تعبئة الورق الناعم بنصوصٍ إباحيّة لما فيها من فوائد جمّة ومتعٌ أكيدة، وقد وافق طبع الرسائل في أواخر رمضان سنة 1416 هجريّة[2]، وعلى قارئ وقارئة هذا الكتاب أفضل سلام وأزكى تحيّة.
[1] Microsoft Word version 6.0a
[2] الموافق أواخر كانون الثاني سنة 1996 ميلاديّة








