
أيهما أكبر؟ شوقي إليك أم حزني؟
أسفٌ أسفٌ أسفٌ
أسفُ مرارة
أسفٌ ألم،
أسفٌ فجعٌ من فجور هوسك،
ألم يكن أحرى بنا الحفاظَ على "بعض فسحات" ،
كي "تركض فيها رياح السماوات"؟
ها البكاءُ يسرح ويمرح، ولا فسحة لبسمة، ولا لحنان،
ها الرجاءُ يؤاخي الذلَ، وقهر المذـُِّلِ أقسى من قهر الذليل في المحبة،
أرجوكِ كفي عن الرجاء، عن الأنين، عن النواح،
عيناك الحزينتان شتيمةٌ للذكرى، أين منهما تلك الغامزتان الضاحكتان؟
قامتك المنكسرة إهانة لنبض القلب، أين هو يرقص لتلك المتثنية المغناج؟
أما زالت أناملك تجيد العزف على أوتاري، فأصدح؟
أما زالت تستسقي المطر دعاءً، فأهديك أجمل أقواس القزح؟
أيهما أكبر، حزني أم رغبتي بك؟
كيف باتت الرغبة ضعفٌ، حين كانت استقواء؟
حبيبتي شبح شاحب عما كانتْ، والأمل شعاعٌ لا ينير عتمة الحزن،
كيف كانت الكلمات كنوزاً من لآلىء تنير خصرك تزيّن دفاتري بالغوى،
وصارت خوفاً من أذىً متكرر لا ينفع فيه أسفٌ ولا تكرارُ؟
اختبأت حبيبتي خلف أشباحها، بقيت هناك تبحث عن أبواب عودةٍ،
والعودة حلمٌ متصدع من جراح الكلام،
أيهما أكبر، حزني منك أم قهري عليك؟
ارتدت حبيبتي أوجها غريبة، أرسل كياني المتيّم إشارات رفعت غطاء الأقنعة،
خرجت شياطينها تبتلع الهواء في الفضاء، كيف أعيد الزمن إلى الوراء؟
لا يملك الخاسر أكثر من خسارته، والهجوم أفضل خطة دفاع،
لا حل سوى الزمن، لعله، إن لم يعد بنا إلى الوراء، يهجم بنا إلى الأمام،
نقبع في خنادق النسيان، نقنع بتساقط الأوجه،
نطلق على ما كان أسماءَ أشلاءٍ، نقبل بالتصدع،
نسترق النظر إلى ما كان، نسرق وعدَ ذكرى،
نصدّق أننا لا نكذب، ونحن كاذبين،
نصدق أننا لا نعلم، ونحن من العالمين العارفين،
أن ما كان لن يعود، وما سيعود لن يشبه ما كان،
قد فاض الماضي نثراً، وأهدى الحاضر أسفاً، وغداً لناظره دمعٌ قريبُ،
أرتدي وجوهاً غريبة، أهجم على أشباح حبيبتي،
لا أملك أفضل منها خطة دفاع،
أيهما أكبر، حزني أم قهري على حالي؟
قال البرهوم: لا بد من التجريح، وإلا لا نهاية.
لماذا على النهايات أن تتخثر بالجراح، عوضاً عن القبل؟
الجرح قيءٌ يخرج من فمك، يدعي الاتزان،
أي اتزان هذا، يبدأ بدورة الرجاء والصد، ولا ينتهي بنكء الجراح؟
الجرح خنجر الكلام، يطعن في الصميم، ولا حدود للطعنات ولا رفق بحالنا ولا مثلٌ ولا أخلاق،
الجرح نزيف يقطر فينا، ولا دمعٌ- بلسمٌ من جفاف العيون، ولا ضمادة من سهدِ الفراغ،
تدعين مجدداً أنك بخير، وجثة الحب ملقاة بين أذرعنا، ولا من يدري بحال الحداد، ولا من يسمع،
فقط من يجيب: قابليني مجددا، قُُبلي تحيي الجماد"
لا يا حلوتي، لا فراشات في تلك الشرنقة المتآكلة في قلب تلك الرائحة النتنة،
انتظري التحلل الكامل، دعي الرفات يخترق أرض العقل المريض كقناعة راسخة،
يصبح سماداً لزهور برية قد تنبت يوماً، فتزورها توقاً إلى الرحيق فراشات صغيرات،
دعي الزمان يحصد بقايا الأحلام، عل البقايا تحمل في ثناياها عطرا.