top of page

استقبالٌ متهورٌ على حافة الإنتظار،

عناقٌ على شفير الإنهيار،

ترددٌ يخترقُ المسام،

وجهٌ يتفكّك لدى التأمل،

ماذا أفعل كي أزيلَ الهمَّ عنه يا حلوتي الحزينة؟

ماذا أفعل كي أعيدَ إليه الإبتسام،

وإلى سمعي القهقهات الحنونة؟

 

أدفأتُ البيت، أطفأتُ الأضواء، أضأتُ شمعاً وموقداً،

وجلستُ أنتظر،

علَّ غليون الصديقة ماري يساعد على الإسترخاء،

تتمتين بعد دهرٍ:

"كان يومي مرعباً، خلتُ فيه إني أموت...

صفعني النهار صفعة أزاحت مخّي من مكانه"،

وتخرسين. خراسك صفعة تنهال على شوكِ إنتظاري،  

أمسكتُ اللسانَ عن السؤال،

أملتُ بدخان الغليون يُخفتُ الإرهاق المتشفي في أوصالك وضلوعي،

لم أجروء على ملء المسافة التي وضعها بيننا الحزنُ،

ماذا أفعل؟ كيف أبني جسراً فوق بحرِ الغياب؟

أغرق معكِ في بحرِ بُعادٍ دون شطآنٍ، دون سبب،

يبوح انطواؤكِ بألفِ سببٍ وسبب،

تشبّثتُ بكِ، رميتُ لكِ بدواليب إنقاذي المستديرة استدارة كاملة المنتفخة بالحب،

أعددتُ لكِ شاياً ذهبياً دافئاً، وسيجارة طيبة بنكهةِ شقائق النعمان، ولم ينفع،

أهديتُك بندورةً طفلةً حمراءَ بين أصابعي وشفتيكِ، وملحٌ كثير، ولم ينفع،

أطعمتُكِ خياراً غمّسته بلبن حاجتي المستيمتة إليك هي تلسعً، ولم ينفع،

أشبعتُكِ موسيقى، لم ينفع،

رقصتٌ لك بكل الدمع والضحك والدلال، ولم ينفع،

كيف أقترب منك؟ كيف أخبىء الضياع؟

جمعتُ شجاعتي ووجهكِ بين كفّي،

ورويت لكِ طرفة، بالكاد لمحتُ طرفَ بسمةٍ في العينين الراحلتين نحو مجهولٍ معلومٍ ملعون،

ضمّيتُ خدّيك وطمأنتكِ عن صداقةٍ محتملةٍ آتيةٍ رغم احتدام الرغبة بين ساقيّ، ولم ينفع،

جمعتُ شجاعتي ولامستُ نهدَكِ من شقِّ القميص المغناج،

تركتني أسترسلُ، تركتني ألامسُ الجدار،

ذلك الذي لم يزل يرتفع داخل مدى الخطوات القليلة المتناهية التي تفصلني عنك،

"إبتسمي لي أرجوكِ"

بدأت دورةُ الرجاء.

ترجّيتُكِ أن تضحكي، 

أن تدخلي إلى قلبي حين تنظرين إليّ،

أن أدخل إليكِ من عينيكِ،

وقفنا معاً على باب البؤبوءِ دون حِراك،

ترجيّتُكِ أن توقفي لحظة الإنتظار تلك،

تلك التي تستمر وتدوم وتدور معلّقةً في مدار يديكِ المغلقتين على روحي،

ويديَّ على خديّ، أحتار،

ماذا أفعل حتى أفهمكِ كم قلبُ القط-الأسد قادرٌ على فرض النسيان؟

ماذا أقول حتى تسمعين قهر النداء؟

بحتُ لكِ، على حافة البكاء، عن العجزِ،

عن استحالة تحمل وجودك بقربي كمجرد احتمال،

كم صعبةٌ تلك الثواني المتقلبّة على جمر السؤال،

كتلك الحطبات المشتعلة بلهب الحزن في مدفأتنا المقبرة،

عادت دورةُ الرجاء.

أرجوكِ ضمّيني،

باسم ما تشائين، الحب، الصداقة، الوله،

لكن رجاءً، ضمّيني، ولم ينفع الرجاء،

تدّعين الهروب مني احتراماً لي، من قال لكِ إنّي أبغى الإحترام؟

تدّعين المعاناة بمعزلٍ عن تلاقي الشقائق والأضداد،

تدّعين أنّك آتية برضاكِ برغم  عذر إرهاق،

كفّي ارجوكِ! إمّا أن تشرحي بإسهابٍ إمّا... اخرسي!

أمامُكِ معتوهةٌ ذات عقلٍ مستقيم عقيمٍ لا يطيقُ الحزازير،

دعي الألغاز للواتي يتلّذن بنوادرك،

واخبريني عن ألمِ يومك وجرحِ مسائك، صارحيني عن الوجع، ولم ينفع الرجاء،

ماذا أفعل أمام هذا الصمت الرهيب؟

ماذا أفعل بالقط-الأسد القابع بدفءٍ على مقربة منكِ يتنشق الهمسَ والخشب والطحين؟

ماذا أفعل بنبضات القلب التائه بين الرغبة والحنين؟

كيف أعلّقُ الزمن على قبلةٍ أطبعها بتؤدةٍ على خدّك؟

كيف أعيد الزمن إلى الوراء لحظة اشتباك أصابعي داخل فضة شعرك؟

قبلاتٌ، وصمت،

همساتٌ وصمت،

عناقٌ، وصمت،

لا شيء ينفع.

أتحوّلُ فجأة إلى مهرّجٍ،

أشير بذراعيّ وساقيّ إلى نهفات الأمس واليوم،

أضحكُ على احتمالات قهقهة الغد، ولا شيء ينفع.

تسألين ببراءة كاذبة إن كنتُ بحاجةٍ إلى لعبةٍ لإرضاء الشهوات،

لأ أمانع أن تكوني دميةً بكبسةِ زرٍ تدور ، إذا ما كانت ترتجفُ مثلي من الشوق،

لا شيء ينفع.

عادت دورة الصمت.

وأكتشفُ فجأة أنّكِ آتية من أجل إعتذار،

إنّكِ، منذ دخلتِ، لم يكفّ صمتُكِ عن الإعتذار،

أراك تتقوقعين في زاوية المدفأة، قعودُك بحد ذاته، يعتذرُ،

أكتشف فجأةً بشاعةَ الغباء، مقابل صقيع نظراتك الهاربة،

أرى فجأة شبحَ القلقِ المرتسم، يجلسُ بثقلٍ مستديرٍ يحتّل المسافة بأكملها بين تائهتين،

يتأرجح كنقطةٍ على نونٍ متدحرجة،

يمنع التواصلٍ يرمي وحده حطباً للمدفأة المقبرة،

طفح كيلي من الأشباح!

أشيحُ عنكِ أجدُ نفسي أتوسّلُ لمن أتى يعتذرُ،

أتدلّلُ أنتظر بغباءٍ لمسةً لن تأتي، وابتسامةً صعبةَ المنال،

أقسو على نفسي خجلاً من نفسي،

أقسو عليكِ خجلاً من مهانتي، من توسلي بلا جدوى أمام صمت النظرات.

ماذا أفعل؟

أتردّدُ بين الإستسلام للشفقة على نفسي، والرحمة لكلتينا تضعُ حداً لمثّنى العذاب،

بحتُ لكِ همساً، مجدّداً، كم أعجزُ عن تحمل الاحتمال دون ترجيح،

كم عقلي وقلبي والقطط واللبوات والأسود بحاجةٍ إلى يقين،

توسلتكِ أن تختاري بين ارتماءَك بين أحضاني،

أو الرحيلَ رحمةً بما تبقّى من كل ما جاء،

لعبتِ عليّ دور الصديق الذي لم يُفتح له الباب،

والعشيق الذي يرمى به خارجه بحجة عدم الإنتصاب،

كفّي أرجوكِ!

إنّي لا أطيقُ هذه الأدوار،

يكفيني همُّ كل الجياع الذين أطعمهم وهمُّ القط-الأسد القابع المتوسل ينتظر أن ترمي له بفُتاتِك،

يكفيني همُّ بؤسي عند امتلائي بشقائك،

تستنجين، يا حلوتي الغبية، أنّي أصدّك باتجاه الباب،

تستعدّين له وكل قطرة في جسدي تتحولُ إلى دمعٍ ينادي،

تتجهين نحوه دون التفاتة، أحدسُ أنّكِ تحرّرتِ أخيراً من عبء الاعتذار،

يتخطى الألم حدود الجثة والروح،

ماذا أفعل؟

أين أخبىء دمعي ودمع جثتي والمهانة، والإرتهان لحركة جسدك على العتبة؟

أهربُ إلى مرقدنا ارتمي شاهقةً عليه، وفي ارتمائي أتذكّرُ كلَّ اشكالِ الإرتماء،

أتذكّرُ انهمارَ أنفاسِنا على المرقد، يرتطم القط-الأسد بذكراه، يموء،

ماذا يفعل، مذ التقاكِ، غيرَ المواء؟

أنتحبُ ومن خجلي من نحيبي، يزدادُ النواح،

تقفين على باب المرقد تتأملين الإرتماء والإرتطام والنحيب والنواح، 

ولا تجدين سوى نكء الجرح، أأنا بحاجةٍ إلى ماكينةٍ تمارس الغرام؟

نعم، إن أحبَّ الـمصارع اليابانيُّ أن يتلاعب بي قليلاً،

قفزتُ من بضوْحي، أجرّث القطَ-الأسدَ الباكي واستقامةَ عقلي المعاق،

أضحكُ على نحيبي أدعّي القهقهة الجوفاء،

تصطدمُ بجدارِ صمتِك السميك،

يطبق رأسي على عقلي كي لا يطير،

ماذا أفعل يا إلهتي كي أنهي اللحظة؟

أأصفعكِ أم أغتصبكِ أم أشيرُ إليكِ بوجهة الباب؟

عقلي الذي يتطاير كالفورمونات في كل اتجاه،

لا يجد حلاً لاحتمالات المفرد والجمع إلا المثنى ،

إلا الأملَ بالفراقِ، يجلبُ في ثناياه راحةً منسية،

إرحلي عنّي، وارحلي وحدك،

دعيني أبحثُ في ذاتي عن استمناءٍ فكريٍّ يريح أعصابي المشدودة،

دعيني وحدي أقلّب احتمالات النهاية بأوجهها المختلفة،

على طريقة الأفلام العربية، يقبلّ الأبطال بعضهم البعض ويعيشون في هناء،

أو الهوليودية، تنتهي بجريمةٍ نبحثُ معاً عن القاتل،

أو الـبورنو، أبحثُ وحدي عن دميةٍ  بكبسة زرٍ لا تجِد من يكبسه،

إرحلي حتى يرتاح وجهي من قساوةِ نظراتِك وظلمِ الصمت،

تحاولين لمسي، أنحن في مجلسِ عزاء؟

ها الشفقة تأتي مع الحزن، ها أنا أقبل بها، أتوسلها،

أشفق على نفسي، يعلو النحيب، ولا شيء ينفع.

تكبر رغبتي بصفعك بقدر تغلغل عطرِك في خياشيمي،

عادت دورةُ الرجاء.

طلمس مخّي، أقفل أبوابه جلس يستمني وحده،

ينده اللات والله، ولا من مجيب.

ماذا أفعل بوحدتي الشاسعة، بقربكِ النائي الذي لا يجدي فيه توسّل؟

لا، ليس القط-الأسد وحده الذي يموء،

عقلي، قلبي، حواسي كلّها تؤلمني من تكرار استغاثة النداء،

إرحلي وحدك، إفتحي البابَ واخرجي علَّ المسافات تختفي،

ويحيلُ الغيابُ البعدَ التصاق،

افتحي الباب ولا تدعي الجار يلمحك،

لا تدعي الجار يلمحُ حياءَ البدرِ حين تنكسر شقائق النعمان،

ويتحولُ مكسوفاً إلى هلال،  

بين صمتك وصمت المرقد شهيقٌ مريح،

بين رحيلكِ ووحدتي دموعٌ حارة، وتعبٌ وإنهاك،

وختامُها، أرق،

ماذا أفعل؟ كي تعودين فجأة، وتملأين فراغي الهادر بذكرى الضمّ؟

أعيدُ شريط الأحداث إلى الوراء،

أعيد المنتجة،

أقطع المشاهد البشعة،

أعادل لمعان الألوان،

أوازي بين ارتجاف الشفاه الشاحبة وتمتمات الغضب المكبوت،

أخفتُ ضجيج الصمت في الخلفية المنهكة،

وأستعيدكِ بين ذراعيّ كما في اللحظة الأولى، في كلّ مرّةٍ أولى، في كلِّ مرّة،

ولا شيء ينفع،

عادت دورة الإنتظار،

أتعودين كي أمسح دموعي بابتسامةٍ لكِ؟

 

عادت دورة الرجاء، والبكاء، والوحدة، والفراغ،

ماذا فعلتِ بي يا حلوتي الصغيرة؟

كيف أريتني فجأة مدى بؤس الحياة من دون قهقهاتِك؟

كيف كشفتِ لي فجأة مدى فقر العيش دون همساتك المتلألئة،

وخشب المسكِ في عنقك، وطحين ما يتبقى منّا بعد اللقاء؟

يا ليتني صفعتُكِ، قد تعيد الصفعات إليَّ بعض اتزّان،

يا ليتني اغتصبتك، وانتهى الأمر بنا بفيلم إباحي باب أّول،

أو بجريمة أو انتحارٍ وعلبتيّ مهدىء تجعلني أنام إلى الابد،

آهّ تذكّرت!

 أحبُّكِ يا حلوتي الحمراء كثيراً كثيراً، لكن أكثر من حبّتي الزهريّة، لا،

تصبحين على خير،

ماذا أفعل؟

سوى انتظار مفعول الحبة السحرية، وما سيأتي،

 ربما يُعيدُكِ الإنتظار إليّ في لحظةِ غفلةٍ مسرعةٍ تدنو منّي على حذر؟

تصبحين على خير،

لستُ واثقة أن الصباح سيحمل غفراناً منّي لمذلّتي،

لستُ أكيدةً أن الصباح سيمحي آثارَ الكلماتِ الجارحة التي باح بها صمتُك، وهلوساتي،

لستُ واثقة مما سأفعل،

أمسحُ دمعي، أُهدىء من طورِ نفسي، أحاولُ الإستمناء لعلَّ وعسى،

ولا شيء ينفع سوى النعاس،

يأتي على مهلٍ، يُداعبني كوعدِ مشمسٍ في خيالِ قوس قزح،

أحبّك يا حلوتي الصغيرة الهاربة كثيراً كثيراً، لكن أكثر من نعاسي أوائل الفجر، لا،

ماذا أفعل؟

سوى تدوين ما يجري قبل فنجان قهوة الصباح؟

أبحثُ عن مفردةٍ تأتي وحدها في المنام،

تتراكض المرادفات الشقيقات في ما بينها تتسابقُ داخلي تكاد تغلبُ النعاس،

أستلُ قلمي كرمحٍ أغرسه في ألمي أجري به على دفتري،

لا أرى في عتمة ليلي خربشات،

لا أقرأ في ظلام المرقد تحت اللحاف مدوّنات،

أروي لاهثةً صراعَ الرغبةِ مع النعاس، والمذلةِ مع الغرام،

سمع الجارُ الضحكاتَ تنافس البكاء،

أتذكّر اعترافَكِ لي بأنك "ممنونة"، وأُحبط،

ماذا أفعل كي يرسخ لديكِ الإقتناع، أن أعمق ما أكنّه، هو الشعورُ بالإمتنان؟

أمضغُ ضحكاتَنا، ونحيبَنا، وصمتَنا وصراخَنا،

خواطرٌ منهمرةٌ بشدّة كمطرِ كوانين،

كلماتٌ رقيقةٌ تحزن على غفلةٍ وتفرح على غفلةٍ، وتنده:

"وودعّت ببنان عقده عنمٌ، ناديتُ لا حملت رجلاكَ يا جملُ!

يا حاديَ العيس عرّج كي نودعها، يا حاديّ العيس في ترحالك الأجلُ."

Munch

ماذا أَفــعــل؟

© 2017 by Houssoun El Fares - All rights reserved

bottom of page