مذ رحلتِ، طالَ الإنتظارُ، عجزَ الندمان عن ملءِ الصبر، رحل تواجدي، مع الوجدان، إليكِ... يسأل الندمان أيني، في دوائرِ دخاني، أتنشّقكِ ، في نظرِ عيني، يتوهُ شوقاً، إليكِ... يسأل الندمان عما جرى، أيجري غير أنهارُ رغبتي بكِ؟

أهيمُ في ذكرى الهوى،
أتنفسَكِ على أطراف أصابعي،
أتلمسّكِ بقربي، تبتسمين،
يضحك الندمان، على هبلي، أكاد أدمع،
أغضُ طرفَ العين خجلاً، من الهبلِ...
أخيراً! اقترب زمن الوصال، كيف أخفي فائقَ الفرحِ عن الندمان؟
عذراً يا ندماني، هو ألمُ الشقائق،
أتدحرجُ نزولاً إلى طاحون الهمس،
أقطف لكِ زهرةً بنفسجيةً في الطريقِ إليكِ،
أتخايلُ العازلَ الشهيرَ بيننا،
يضحك البابُ،
والحرّاسُ،
من هبلي.
أتراكضُ أسرعُ لا أدعُ ثوانٍ منكِ تفوتُ،
أدخل المبنى الخطأ،
أضحكُ مع الجميع،
على هبلي...
أدور كلبوةٍ في عرين لا يساع جموحَها،
في خضم احتياري، تدخلين،
تحملينني دون كلمة،
زهرةٌ بنفسجيةٌ وأنا،
غصنٌ أنا في فروعِ شجرتك،
فراشةٌ أنا، تحملُ بنفسجاً، بخفةٍ لا تُحتمل،
تكتشفُ لذّة القربِ من الوردِ، كلَ مرّة، كأولِ مرّة،
رمت الوردةُ بالفراشةِ على جناحيها تحلمُ برحيق،
تنهمر عليها،
تُسقيها دمَ القلب،
تمطرُ عليها ورداً وفلاً وياسمينَ...
تستسلمُ الفراشاتُ كلُّها لألحانِ العبير،
يتأملني اللونُ البنفسجيّ في عينيكِ،
يحنو عليّ،
وما زال المطر ينهمرُ...
ما زال يعانقني بشدة،
أتزلجُ على غيومِ الخدر،
تمتمتِ الوردةُ:
تقبضُ الفراشةُ عليّ بشدة،
تمنع الوردَ من الطيران..
هل أضحك الوردُ العاهرُ الفراشات؟
دعوا الفراشات حيثُ هي، من التحليق،
لكنّ الوردَ مبرمجٌ للغرام،
بجيناتٍ،
للتقلص والإنقباض،
والولوج والإرتجاج،
وردةٌ تمتصُ أريجَ الفراشة،
تعصرها، حتى آخرِ نقطةٍ من المطر،
أزهقتِ روحها خلبتِ لبّها لم تعد تلقى زهراَ ترسو عليه سوى زهرِك،
يضحكُ البنفسجُ في عينيكِ، يصرّح:
أخلتِ الفراشةُ سبيلَ الوردة،
بإمكان الورد الآن أن يستريح،
هل أضحك الوردُ العاهرُ الفراشات؟
تصحون من خدرهن اللذيذ،
تلثمُن الندى عن أجنحتهنّ المنتفضة،
تتلوّنَ بأطياف الهضاب،
تتأرجحنَ على صدى التأوه،
تختالنَّ بين عطورِك،
تلعقُنَ ما تشاءن،
تلامسن ما تشاءن،
تحبُّكِن، كما تشاءن،
يبلّلُهِنَّ المطرُ المنهمر،
يُنهِكْنَ الأجنحةَ الملوّعة،
تختبىء الفراشاتُ منه في عيون البنفسج،
وتبتسمُ.
هل تساعد الفراشاتُ الوردَ على النسيان؟
قالتْ الفراشةُ:
" أخبرتني الماءُ، جفافُ السكونِ آتِ بعد كلِّ عاصفةِ مطر"
اشتكى الوردُ من شوكه، ومن هدرِ العواصف،
طبعت الفراشة قبلةَ قوسِ قزحٍ على عيونِ البنفسج:
"تبقى نصيحة الماء بجمل، ونحن في صحارى العرب"،
ضمّيني، لم ترتوِ الورود والفراشات من المطرِ بعد،
تعالي نشكو الريحَ، تقتلع الجذورَ،
والشوكَ، يستعجلُ الرحيلَ...
هل أبكى الوردُ العاهرُ الفراشاتَ يوماً؟
للفراشةِ رياحٌ مزمجرةٌ تقتلع الجذورَ ترمي بها في يمّك،
للفراشةِ أشواقٌ تلتهبُ حين تقترب من نارك،
دعي البكاءَ لقربِ المدفأة،
والتصقي بعد،
تعالي ضمّيني كما في المرّة الأولى، وكل مرّة،
وأخذ المطرُ ينهمرُ...
أهذا دهرٌ من العمر،
أم أنصافُ ساعاتٍ تمرّ،
هل لسع الزمن مؤخرةَ الوردِ؟
اخترقَ الرعدُ المرقدَ والمدفأة،
يحرق ما تبقى من أجنحة متكسرة تعبة،
ترجّى الوردُ الفراشة إهداءَهُ صيفاً بلا شمسٍ ولا غيوم،
على أهبةِ غيابِ الخدرِ اللذيذ،
وافقت الفراشةُ على الفراق،
لا دواء لقيء الجرح إلا الكي،
استعاذ الوردُ بالله،
ألا يبقى الوردُ والفراشةُ أصدقاء؟
تثاءبت الفراشة،
غلبها الشوق إلى الضم،
عانقت نفسها،
ضمّت جناحيها،
لا دواء للغرغرينا إلا البتر،
لعن الورد حظه:
لم على فراشتي أن تكون المطر كلّه،
أو لا شيء؟
هي فراشةُ تهوى زهرَ العيون،
امتصتها عشرات الورود،
فيا ورداً عاهراً في جمال روحك،
لم تُخلق الفراشاتُ للأسى،
لا ندم، لا ذنب،
إرحل يا وردُ الآن،
دعني،
وحدي، آتي وأغادر ،
على ذكرى الرحيق.
أرسل لكِ، من حينٍ إلى آخر،
حين يلتئم جرحُ الورد،
مراسيلَ،
مودّة.