
لم أروِ عن التقوقع،
بين الأضلعِ صدفٌ عاجيٌّ،
شفّافٌ كالروح،
تعلّقَ على صدرِ البجع...
لم أروِ،
عن عناقِ أصابعٍ، ووجهين،
وصمتٍ بيلغِ...
عن نظرٍ يخترقُ البؤبؤَ، والعظام،
يتوقّفُ الزمنُ، تتجلّى اللحظة،
في التصاق ثغرين،
رفرفةُ أجنحة،
في نسيمِ الأنفُسِ...
شفاهٌ تبحثُ، تنادي،
ترتاحُ من بحثها في اشتباه قضمٍ،
أجنحةُ البجع تهمسُ، للرقةِ أن تحنو على البجعِ بعد،
خدٌّ وخدٌّ وحنينٌ شاسعٌ،
تحفظُ القامةُ أبعادَ القامة،
تتحسّسُ حميميّة الشبه،
تفرح البجعات بالتقاء القامات،
تبهجُ ببدءِ السفر...
ترمي رؤوسَها على الأكتافِ المستديرة،
تسند حزن الايّامِ على الظهور المستطيلة،
تدفن وجوه الطفولةِ في مغاراتِ الأعناق،
تُقاربُ بطوناً تلتمعُ الصرّةُ فيها
نجوماً تُضيءُ ليلَ البجعِ الوحيد،
تحيطُ بسيقانها خصوراً، يبدو كوكبُ الارضِ أصغر،
أجنحةٌ تضمُّ الكوكبَ بأكمله،
ترفعُ عن الجبين خُصلِ الشعرِ، بقايا الشجن،
يتمدّدُ زنبقٌ ملقىً قربَ زنبقٍ،
على أعناقِ البجعِ،
ريقُ القُبل تزحفُ على السيقان،
يفوحُ...
على رملِ شوقٍ ملتاع،
ثقلُ النرجسِ على النرجسِ
بدايةُ سفر البجع،
والضمُّ يدٌ،
تلوحُ...
أوركيدٌ داخلَ أوركيدٍ،
شعاعٌ أحمرٌ،
في عتمةِ شهواتِ البجع،
حين، من جديدٍ،
يولدُ...
لم أروِ
عن تقلّص القلبِ، حين يبعد البجعُ، بُرهة،
عن تقلّص الوتد، حين يهجم الصِبا على روعةِ البُرهة،
عن تلقّصِ شقائقِ النعمان،
أرهفُ من نبضِ القلب،
ترّفُ عليها الأجنحةُ، بُرهة...
لم أروِ،
عن مطرٍ بلا تاريخٍ،
ينهمرُ في نهارٍ مشمسٍ،
بجعٌ من سكّر،
يذوبُ...
لم أروِ عن المطرِ بعد، ينتصبُ البجعُ، يتمدّدُ، يتقوّسُ،
ينطلقُ رمحاً نحو السماء،
ينغرزُ غيماً فضيّاً،
يبرقُ الولهُ أناتاً،
ينهمرُ المطرُ،
يتبرّكُ،
يتقوقعُ البجعُ في البَرَكة،
يتأملُّ الذاتَ،
يدٌ تودّعُ الوعيَ،
كوكبٌ رطبٌ يهيمُ في فلكِ الشغف،
يتأمل وجهَه في مرايا السكون،
يحفرُ طيفَ البجعِ في الزوايا،
تشتعلُ العيونُ،
يمسكُ ياليدِ المجنونةِ تصرُّ على الوداع،
غمرةُ تسونامي،
يُعاودُ البجعُ الترحالَ...
لم أروِ
عن المطرِ بعد،
مطرٌ غمزاتٌ،
مطرٌ أعدادٌ،
مطرٌ يترنّحٌ،
مطرٌ فيضان...
(طقّت ميّة الراس)
لم أروِ عن ابتساماتٍ لا تنتهي،
ابتسامةُ شماتة، بالحب، بالنار، بالغيرة،
ابتسامةُ ارتجافٍ وارتعاش،
ابتسامةٌ للخجل، للهرب، وللقُبل...
لم أروِ عن الجنون،
عن تشظّي ذاتُ البجعِ خلفَ الحدود،
تتحرّرُ من أسر الجاذبيّة،
تُهاجرُ إلى بلاد الدفء الآتي في كلّ لحظة،
تقبضُ الأجنحةُ على الروح، تذبحها،
تروي بدمها المحموم سهولَ الخير،
تلفظُ أنفاسَها،
يدخلُ البجعُ الجنّة...
لم أروِ
عن العريِ الساخنِ بعد،
عن نهودٍ تفيضُ بنورها،
كواكبٌ تتشكّلُ على أطرافِ الأجنحة،
تلتصقُ بالقامات،
تحومُ في مجرّةِ العريِ الساخن،
غبارٌ كونيٌّ على شرارات وصال البجع...
لم أروِ
عن الترحال بعد،
عن بجعٍ يرافقُ بجعاً مهاجراً جنباً بجنب،
يخرجُ من مدار الكواكبِ إلى رحاب الفضاء،
تتزامنُ رقصات الأجنحة، تسبحُ في ظلام الكون،
نقطتان مضيئتان، تنسابان، شهباً في العيون،
ودمعاً، وغراما...
لم أروِ،
عن وشوشاتِ الدلعِ بعد،
عن وعودٍ بلا غدٍ، حارةٍ إلى الأبد،
عن شراكةٍ بلا كلام،
وكلامٍ بلا معنى،
ومعنىً لا يحتاجُ إلى كلام...
عن دورانٍ في حلقاتٍ ممتلئة،
تُحيطُ بالكوكبِ الذي هجره البجع،
تزيّنُ الخواصر،
ترنُّ كخلخالٍ في السيقان،
ضحكاتٌ مؤلمة،
تتردّدث في مسار الترحال،
همسٌ باكٍ يولدُ من الأحشاء،
للبجعِ المهاجر ألسنة
تُزهرُ عليها الهدايا،
ينثرها خارج المدارات،
مفرداتٌ تتلألأ
في بنفسجِ ليلِ الكونِ الطويل...
لم أروِ،
عن الوحي بعد،
يخطفُ البالَ في لمحاتِ بصيرة،
يداري الثواني،
يقتربُ من البجعِ بتؤدّةٍ،
يرمي بألحانه في مداها،
يرقصُ البجعُ على الصدى،
بهيامه،
يبتعدُ...