top of page

سومو مصارعٌ يابانيٌّ، فارسٌ من القرون الوسطى مشهود له بالنبالة، عاهد فهداً أسوداً على تسليم روحه إليه إلى الأبد.

سيمبا هرٌ ظنَّ أنّه أسد، ذهب يوماً يبحثُ عن نفسه. أضاع في بحثه ذاته. لم يزل يبحث.

 

التقيا في يومٍ حار، وكان حبٌ صاعقٌ. كلّما التقى سومو سيمبا، أمطرتْ الدنيا وقاما معاً بالتقاط أنهرِ أقواسِ القزح. تحوّلت دنياهما إلى سهولِ خيرٍ تزهر فيها الأشعار كلما أمطرت، تتفتّحُ فيها الزهورُ حنيناً. فاضتْ أقواسُ القزح على البحار والجبال والغابات والقمم، واحتار سومو وسيمبا بكل هذا الجمال. تمتعا بروعة اللحظات، عادا إلى طفولةٍ أضاعاها في زمانٍ سحيق، راحا يلعبان، بالضحكات، بالكلمات، بالقواعد، بالحركات، بالنقاط، باللغات، بالأجساد، بالرغبات، بالشهوات، بالنشوات، بالفراشات، بالألوان، بالدوائر المكتملة بالحلقات بالأقواس المتناهية إلى الأبد...

 

لكن، في عمق الفرح حزنٌ، في عمق القهقهة جرحٌ، في عمق السعدِ حيرة.

سومو وعد فهده الأسود ألا تُشرقَ شمسٌ إلا في حضوره، ألا تمطر إلا معه، ولا أقواسُ قزح دون شمس دون مطر، ماذا يفعل إذا ما هاجرت الأقواس إلى حيث الدفء دون سؤال؟

سيمبا ضائعٌ قبل أن يعرف حقاً معنى الضياع، تائهٌ في مجاهل نفسه، يبحثُ عما لا يعهده، لا يجد سوى فراغ الروح، هو الذي ظنّ نفسه أسدا.

تورطا في المطر حتى باتتْ القصّة لا تُروى، ما استطاعا التوقف عن التورط، في المطر.

 

حبُّهما سببّ خللاً في الـ eco-systeme، خرجتْ قوانين الطبيعة عن السيطرة. اتفقّ سومو وسيمبا على استشارة Nat Geo في حالهما، أرسلا sms  وثائقياً إلى Incredible Human Machine ، في نهايته سؤالٌ: أمن الممكن ألا تتوقف تلك الماكينة العجيبة عن الحبّ أبدا؟ وإذا ما أُجيزَ لهذا الحدث العظيم أن يقع، ألا يجوز أن تكون الحبيبة مصدر الوحي وإلهة الحبّ؟ لكن سومو وسيمبا لم يتوقفا عن الضحك، ولا كفّا عن المرح.

 

كان سومو يحبّ أن يصرخ مهرّجاً مدهوشاً: "طرطشتيني!" كلما سالتْ عليهما أقواسَ قزح. كان سيمبا يحبّ أن يتضرع: إرحميني أيتها اللات، أمطري عليّ، أمطريني بعد، أيتها الإلهة يا أمَّ الله الحنونة". في خضمّ الرذاذ، كانا يتهامسان بالشعر، يتناجيان بالبسمات، مختبئةً في ثنايا الصوت، يتداعبان بالمفردات، فائحةً بطعم الرغبة. وفيما هما يتهامسان، يتناجيان، يتداعبان، تكثر السُحُبُ، تتكثّفُ، تبرقُ السماءُ ما إن يلتقيا، تنطلق الشرارة من العيون، يعودُ المطرُ.

 

المطرُ أشكالٌ الوانٌ، ناعمٌ خفيفٌ طويلُ الأمد، صاعقٌ منهمرٌ بعنفٍ، (يُطرطشُ)، هائجٌ برياح الشهوات، يترنّح. وسومو وسيمبا يميلان كطفلين، يُطبّشان، في البقع.

 

هالةٌ تُحيطُ بسومو، هالةٌ تُحيط بسيمبا. قال البرهوم: تلك هالة السريّة، تلك هالة القداسة. تضخمّتْ ذاتُ سيمبا، أخذتْ، كعادتها، شكلَ ملكِ الغاب، الأسد. نسيَ المصارع اليابانيّ في خضمّ عناق الفهد الأسود القابع الخانق في الداخل مصدر طاقته. التقى المصارعُ الملكَ-الأسد. تمخضّ الجبلُ فولد هِراً، هُريْراً داجناً، احتمى بين أضلع السومو، فأزهرَ الجبلُ... وازرقّتْ السماوات، وطابتْ النسائم، وحلى التأرجح على أقواس الغيمِ، والفضّةُ تتناثر من الجبين على العين والخد، والشفاه شموسٌ تروي غليل اللهب، تتنشّقُ ريقَ اللحظة، تزفره شِعراً، وهياماً، وألحانا...

 

لكن،

سومو مصابٌ بحالات هلع، يتوقّف فجأة تحت المطر، تجحظ عيناه، يسدُّ العربُ فمَه.  يتضرع سيمبا له أن يعودَ، فيصرخ المصارعُ: "لن تُشرقَ شمسٌ على فهدي الأسود بعد اليوم!" يُشمّع الخيط. يتشظّى. يختفي. تكسفُ الشمس.

 

سيمبا مُصابٌ بحالات "انهيارٍ" مؤقت، يحبسُ الدمعَ الآتي قسراً، يغصُّ. يحاول ألا يصرخ بأشباحه المقزّمة لذاته المتضخمة: "إرحلوا!"، يبكي. يتضرع له سومو أن يعود. الهرّ – الأسد ملك الغاب، خجلاُ من دمعه، يُشمّع الخيط. يتشظّى. يختفي. تكسفُ الشمس.

 

اتفق سومو وسيمبا أن "يرفعا إليتهما" كلما قارب أحدهما إحدى تلك الحالات العجيبة. لكن الحركات، والنهنات، كالكلمات، إذا ما تكرّرت، تفقد السحرَ.

(إلا حين يوجّه سومو سؤالَه المعهود، بعد زخات المطر: "عفواً سيدتي، لكن، هل تحوصين قليلاً، بعد المطر؟". في كل مرّة، تلعلعُ قهقهة سيمبا في الفضاء الرطب، رغم تعب المطر. في كل مرّة، تعود الماكينة إلى العمل. في كل مرة، تعود الشموسُ، تعودُ أقواسُ القُزح.)

 

أين كنّا في القصة التي لم تُروى؟ فخذٌ هنا، وفخذٌ هناك... أجل، نعم لجلب الأجل. لكن الكلمات، كالنكات، إذا ما تكرّرت، تفقد السحرَ.  

إياكما يا سومو ويا سيمبا، من الهرب! البحرُ من أمامكم، والبحرُ من ورائكم، ولا مفرّ من المطر! إياكما وتلك النارّ! لا مفرّ من الخطر! إيّاكما وهذا الهذيان! ألا تفهمان معنى الحذر؟!"

يُدهش سومو وسيمبا لهذا الوعيد الرعيد، أيُمنعُ على الأطفالِ اللعبَ؟. قالا: " ما نحن غير قمران تائهان. غبارٌ نحن في زخّات المطر". ولا من يسمع، ولا من يُجيب.

 

سومو يُداعب سيمبا، سيمبا يُداعبُ سومو. البرقُ فضـّة. الرعدُ ضحكة. المطرُ ماءُ زمزم. الرعشةُ قوسُ قزح. يقتصرُ الكونُ على نُقاطٍ، من خيال. العمرُ جزيئةُ الجزيئة، الحبُّ أبد.

 

يلمح سوم وسيمبا أسراب الطيور المهاجرة، شهباً برّاقةً في عتمة الكون. سيمبا يُداعب سومو بحنانٍ ، يبحثُ بسخرية عن أصابعه، يهديه المصارعُ الجوابَ العطوفَ. سومو يُداعب سيمبا بجدٍّ، يروي قصصَ العصافير التي تأكل اللوزَ والسكَّر، يهدي الهرُّ عصافير المصارع دمَ القلب، واللوز، والسُكّر. مداعبات مداعبات مداعبات، مفردات مفردات مفردات، فرحات، حزينات، منتشيات، بالمطر.

 

الدلعُ من بقايا الطفولة. الغنجُ من مكوّنات البراءة. سومو وسيمبا يتدللان. لكن "الحالات" بالمرصاد، تهجم على حين غرة، تُمزّقُ أبخرةَ الاقواس، تُحيل الكونَ إلى سواد، والعمرَ إلى فراغ. يتأملان وجهيهما، يفزعان: "أحدنا كاذبٌ!". البكاءُ أحد أشكال المطر. في دمعِ الحبيب قوسُ قزح.

 

في بحارٍ من الأشواق، رستْ الشموس بهما على برّ وصال. مذ اكتملتْ بدورهما، لم تعد الحياة مداً وجزراً. مدٌّ دائمٌ، ممطرٌ. الكونُ يتمدّد، في كل اتجاهٍ، إلى الأبد.

 

نبضُ الفؤاد نبضُ الكون. غناءُ سومو وسيمبا صلاة. صدىً لقهقهات رضيعٍ في الفضاء. صدىً لبحّةٍ تقرأ شعراً لأذن السماء الصاغية.  ارتعاشُ الضوءِ شعاعٌ مجهولٌ، يومض لوهلة، يتوقّفُ الزمنُ. ارتعاشُ الأقواس ثقبٌ احمرٌ. يلجانه. يبدأ زمنُ الخدر.

العمر جزيئةُ الجزيئة.

لكن،

لا يصلح العطار ما أفسده التاريخُ،

إياكما وتلك النار! لا مفر من الخطر!

 

سومو يحدس. سيمبا يعرف. أن المطر والأنهر والبحار عالمٌ حافلٌ بأبعاد الألم، محفوفٌ بمخاطر الأذية: الأذية: الرعبُ الأكبر. الوسواس الخنّاس. سارقُ شعاعات الشموس وانحناءات الأقواس.       الذنب: الرعب الأصغر. أفعتان باردتان ملتحفتان في عقدٍ ملتوية. فحيحٌ يصمُّ الآذان. حتى الصمم. يُمزّق الرعبُ أشرعة سومو وسيمبا. يحرقُ الذنبُ أجنحة الفراشات. بقايا غبار. بقايا كلمات.

 

سومو يُصاب بتقلصّاتٍ في الفخذ، وفي الرقبة. سيمبا يُصاب بها في البطن، في البطّة، وفي المعدة. يداويان التقلصات براحة الكفِّ الساخنة كالرغيف، بالضمّ زيت زيتون، واللثم رشّة ملح. يُشفى ألم الجسد. تعود الماكينة الخارقة إلى العمل. يبقى ألم الحالات يحزّ حزّاً في الروح. رغم  المطر.

 

ضمّة على الحافر، ضمّة على المسمار. معظة عالريق، سخرية إفطار. تَناوبُ حالات مطر حالات مطر حالات مطر... ألمٌ. تضاعفُ النشوات بهجة. الإرتجافُ هزّةٌ ارضيّة. الكونُ كلّه يرتجُّ.

 

سومو يتكلم العربية بحرف الـ "e". سيمبا يرطن باللغات، يُخطىءُ، ويتلعثم. سومو تشيّع عالهويّة بالشورت والـ bretelle. سيمبا تشيّع بالرأس منذ زمنٍ بعيد، تَبِعَ مؤخراً الهندوسيّة، ثمّ تنصرنَ ولهاً بـ "أم الله الحنونة". سومو يعشق "اللعب المحرّم" مع ماكيبا. سيمبا يُدمن الأماكن، تلك التي زارتها "هالصبية" فحفرت في ثنايا الروح ترتيلة. سومو يتردد، في بال سيمبا، كما في خلال يوغا الجلي، حلمُ وصال. الأماكن تتردد في بال سومو، كما خلال اجتماع، ذكرى جماع.

 

سيارة سومو تضحك. سيارة سيمبا سكرى، تترنّح. لا فرامل بعد اليوم. تلاعب أحدهم بالـ ABS: Aأفينيش  Bبلا  Sسيمبا. Aأفينيش  Bبلا  Sسومو.

 

سومو يصرُّ على سيمبا بالـ  Zingol. سيمبا يصرُّ على الموز البلدي، هدية من بياع الورد، واللحسة حلاوة، وسكّر.

 

سومو يقرأ: dimoi = dynamo. سيمبا يقرأ: dimoi  = أخبريني، عن مفرق طريق مرقد الوصلِ، حين، بسرعة البرق، يحينُ موعدُ المطر.

 

سومو يروي عن أجراسٍ في الراس تقرع، ding dang dong. سيمبا يروي عن قرعات القلب، عن القهقهات التي تفقع. سومو يُأكل lump sum. سيمبا يُشرب جملةً وتفصيلا.

 

سومو ينادي سيمبا SEC،  Stimulateur d’erection corporelle. سيمبا يكرع سومو SEC مقفى، ولا يشبع.

 

سومو يلوم سيمبا حين يتأخر في الرقص معه تحت المطر. سيمبا يلوم سومو على حال الترقّب الدائم، بانتظار المطر. سومو يتعب من انتظار الشموس، يشتم الارضَ والسماءَ والبشر، يهلع. سيمبا يتعب من الترقب، يتابع انهياراته البطيئة، يلملمُ، تحت المطر، أشلاء ذاته.  معاً، في كل زاوية، يقبعان، على آثار البقع. في مستنقعات وحولهما، يتمرّغان، يتلذذان بالتبحتر، تحت زخّات المطر.

 

سومو المصارع يذهب إلى العمل، ينسى المـُصارعة. سيمبا الهرّ يذهب إلى العمل، يُمارس تضخّم الذات على المعجبين، ينسى اُلفة الهررة، يزأر. سومو يُلصقُ مشاهدَ وأصواتَ من عمره في أفلامٍ قصيرة. سيمبا يُلصق شظايا اللقاء في وريقات قصيدة.

 

سومو يستمع، سيمبا يقرأ. يتأتئان. تحت المطر.

 

سومو يغمر، غمرة المصارع الياباني تسونامي هادرة. سيمبا يضم، ضمّة الهرّ زئير أسد.  

غريب أمرهما، أبعد كل تسونامي هادرة، طمأنينة يصحبها مطر؟

 

سومو يقفز على المحجبات يخلع عنهن حجابهن برضاهن. سيمبا، مبهوراً، يُسجل المشهد في ذاكرة المجبّات والمصارعين والهررة.

 

سومو المصارع يُداري اكتمال ثقله حفاظاً على الطاقة. سيمبا يخسر من وزنه كي يزداد ثقلُ المصارع، حفاظاً على نقش الثقل في ذاكرة الروح، كي تتفجّر الطاقة.

 

سومو، بوجود المطر، لا جنس له. سيمبا، بوجود المطر، عطشٌ صافٍ يُقاربُ الشبق.

 

سومو، حين ينظر إلى الفضاء، تنهمر الاقواس في العيون، مع المطر. سيمبا، حين ينظر إلى الفضاء، يصبح البؤبؤ مركز الكون، ثقباً أسوداً للغرق. يستنجد بالشعر، يتشبث بالكلمات. لكن الكلمات لا تعرف السباحة. الشعرُ تيهٌ يزيدُ من حال الوله.

 

سومو المصارع الياباني هرٌّ داخل حلقة الحلبة. سيمبا الهر الهجين مصارعٌ داخل حلقة الحلبة. تبادل الأدوار حقٌ وواجبٌ. حفلات المصارعة ابتهالٌ متجدّدٌ. دعاءٌ دائمٌ لاستسقاء المطر.

 

لكن،

سومو مصاب بحالِ الهلع. يقفز بأرضه ناسياً جسده. تمر الراحة على الفضة تبحث لها عن راحة. ينقبض قلبُ سيمبا.لا ينفع سوى الهرب.

سيمبا مصابٌ بحال انهيارٍ مؤقت. يتقوقع على نفسه كالجنين. إيّاك ان تلمسه! يزأر للهمس. ينهش للكلام الحلوِ.  ينقبض قلبُ سومو. لا ينفع سوى الهرب.

 

سومو وسيمبا يرغبان بجنون. يتراشقان، كالأطفال، بالحمم. سومو أوقد ناراً، سيمبا، بالأبدية، يتدفأ. سيمبا أهدى ماءً، سومو، بالأبدية، لا يرتوي. سومو وسيمبا يتبادلان النار، والماء، والقُبل، إلى الأبد. سومو وسيمبا حزينان، يعصرهما القلق. تعود آله الحب إلى الدوران. آلهة الحب تحنو.  حتى في الحزن، هنالك قوس قزح.

 

سومو متعب، هل من كتفٍ يغفو عليها غير ضلوع الفهد الأسود؟ سيمبا يقبض على وتد عنق المصارع، يعلّقه منه، كي يرحل التعب. سيمبا متعب، لا يغفو إلا كالجنين، متقوقعاً. سومو يلعق ظهر عنق الهر، تموءُ في الهررة الاسودُ،. قابضان على روحهما، يرتاحان، تحت المطر.

 

سومو لا يركز في العمل، يُنتج دون أن يدري، يكتشف مذهولاً روعة ما أنتج. سيمبا لا يركز في العمل، يأخذ قراراتً يعطي أوامراً، يبتّ بأمر العباد بعدلٍ وفسطاطٍ، دون أن يعلم.  سومو وسيمبا نصبا أشرعتهما، خيمةً بثقوبٍ عديدة، تحت المطر.

 

سومو يقرأ. سيمبا يستمع. عن نجوم الظهر، عن جلب الأجل. سومو يشرح، سيمبا يتعظ.

 

سيمبا يتعلّم. يصعد سلم لاهوت الغرام درجة درجة. في ذلك الكون الفسيح، في تلك الحياة الجيّاشة، في تلك اللحظة الأولى، حين لمس سيمبا بيده أولَّ قوس قزح، كان سومو يرافقه، يمسك بيده، يرفعه إلى القوس التالي. قوسٌ يرفع حوتاً من قوسٍ إلى قوس. لا قدرة للحيتان على إهداء أقواس القزح، تهدي القوسَ نوافير ماء. العين لا تعلو على الحاجب، حتى في عالم المطر.

 

سومو آلهة حب، لا تتعب من انهمار الأقواس والشهب. أرأيتم يوماً قوساً يخشى الغرق؟ لا يملّ. لا يكلّ. الحوت لا يكفّ عن اللهو، بالنوافير، تحت اليمّ، وتحت المطر.

 

سومو أذنٌ تُضغي إلى موسيقى الكون. تسمع بإرهافٍ النفسَ، الحركة، التقلّصَ والانقباض. تتبع النوتة كي يستمر الكون في التوسّع. سيمبا كيانٌ يُصغي، إلى نبضات الداخل. كتلةٌ ترتجّ إحساساً، تحوّل النوتة مفردة، والإيقاع خواطرا. الكون كتلة تصدح انفعالا.

 

سومو وسيمبا لحنٌ يُرافق كلمة، أغنية تراود بالَ الكون، تتردّد، كالصدى، كلّما أمطرت الدنيا،

وطافت الماءُ، شهباً وأقواسا.

 

سومو يطلب من سيمبا نحتَ أصابعه. سيمبا يحتار، من أين تبدأ أصابع الآلهة؟ تمتدُّ كخيوط العنكبوت، على مدى الكون كلِّه. كالأخطبوط، تلتفُّ على الهرّ الطريدة. كالافعى أحياناً، الهررة تلسع.كالزبدة أحياناً، تذوب. كالزَبَد، معظم الأحيان، تتفجّر. أصابع الآلهة في كل مكان. كيف يتشكّل المنحوت فيها، إذا كانت هي التي تنحت؟

أنّى للحوت أن ينحت قوسا؟ في زمنٍ سحيقٍ، توقفّت الحيتان عن نحت الاقواس. تفرغّت للعبادة. اختارت أن تفيض ماء.

 

سومو قوسٌ يتدلى من أعلى ماء الحوت. سيمبا نحّاتٌ متدرّجٌ، يتعلّم من الآلهة أسرار الأنامل الساحرة، والأقواس الملونة، واللاهوت، والآذان الصاغية، يتأمل اشتعال المجرّات بنبض الكون، يرحل، على متن اللهب، إلى حيث الماء. ناسكٌ مبتهلٌ في قصر العبادة. نُصب القصر في فسحة الكون، هناك حيث يولد ويحيا المطر.

 

سيمبا، من حدّة الشوق، يغتال الإلهة. يطعنها في الصميم، طمعاً بالآلهة تكره. يطعن نفسه، طمعاً بالأسد ينهش ويبتر. يتعبّد في سرّه. يدعو: "صِليني، صِليني، صِليني..."، علّ الآلهة تسمع. الآلهة أذنٌ، كمانٌ يضجُّ بأشواق الكون. الدعاءُ ملائكةٌ من فيروز، تشكو الهجران، تستقي المطر، سلوانا. تبكي، ظلماً وعدوانا. "حبيبتي، أحسِني! إرحمي ايتّها اللاتُ". اللاتُ تبكي. بكاء الآلهة أقواسُ قزح.

يوميات تحت المطر

© 2017 by Houssoun El Fares - All rights reserved

bottom of page