مسرحية من ثلاثة فصول
السينوغرافيا
-
غرفة كبيرة فيها سريرين منفصلين قرب كل منهما طاولة صغيرة )مليئة بالأدوية وراديو صغير) ومقابلهما مقعد قديم
-
على أحد السريرين ترقد جثة رجل مغطاة الوجه بشرشف أبيض
-
ثلاث كراسي حول طاولة أكل تستعمل أيضا ك مكتب (عليها بضعة أوراق وزجاجة ماء)
-
جدار يفصل الغرفة عن فسحة في الخارج لا يبدو منها لنا إلا بالكاد متر ونصف
-
تتنقل الإضاءة بين العتمة والضوء بين مشاهد الداخل والخارج
الفصل الأول
1.– المشهد الأول
تمسك الكبرى الجالسة في سريرها بصورة فوتوغرافية لشاب يبتسم في مقتبل عمره، موضوعة في إطار.
الكبرى: قولك رح يجي؟
الوسطى: أكيد
الكبرى: كيف أكيد؟ (تتنهّد) ما في شي أكيد بهالدنيي
الوسطى: حاجي تفكري… نامي، بركي بتنزل حرارتك
)تضع لها لبخات على جبينها)
الكبرى: كل ما بغمّض عيوني بشوفه جايي… قولك رح يجي؟ أنا بقول لازم يجي! (لكنّها تلوح فجأة بالإطار بعيداً وبغضب) بس مش رح يجي! بدّو يجي غصب من عنه! لازم يجي!
الوسطى: (بغضب) فيكي تسكتي وتنامي؟ جربي نامي أحسن ما تجيبي لنا البلا!
تصمت الكبرى بينما تقوم الوسطى بإعادة الصورة في الإطار إلى مكانها على طاولة صغيرة قرب السرير، خلال ذلك الوقت، تقوم الصغرى مرّة ثانية بالتأكد من حالة الرجل في سريره وتكشف عن وجهه، تعيد ترتيب ملاءة السرير حوله بعناية ،
الوسطى: خلص عواطف، غطي له وجهه وخللينا نقرا الفاتحة عن روحه،
الصغرى: يمكن ما طلعت روحه بعد، يمكن كوما، يمكن...
الوسطى: (تقاطعها بحدة) لأ!
تقوم وتغطي وجه الجثمان وتعود قرب الكبرى وتغير الضمادات، بينما تقف الصغرى في حالة ذهول،
الكبرى: (تنظر الى الاطار وتهلوس) مش هيك، مش مزبوط … إنتَ تعا … بشرح لك… والله العظيم سوء تفاهم… وحياتك فهمتني غلط… إنتَ بس تعا تنحكي… بس لو بتجي...
الصغرى: يمكن لازم نجيب الحكيم
الوسطى: هلق مش وقتها
الكبرى: )موجهة الكلام الى شبح الصورة) ماما دير بالك، (تصرخ) هلق بتوقع! انتبه فيه جورة ! (وقد نسمع صوت ارتطام) (تهب جالسة في سريرها جاحظة العينين تحدق بالفراغ) يي عليّ انشالله ! يي على إمك انشالله ! وين الدوا الأحمر؟ (بينما تبحث بيديها حولها في السرير) ما تبكي يا روح إمّك…
الوسطى للصغرى: حالتها رح تجيب لنا مصايب، هاتي هالمسكنات بركي بتنام شوي
تناولها الصغرى علبة دواء، تعطي منه حبة للكبرى... التي تستمر بالهلوسة وتغني بخلاعة مفاجئة
الكبرى: على مين على مين على مين، على مين يا سيدي العارفين، ما تروحشي تبيع الميّة في حارة السقايين…كايده العزّال أنا من يومي، إيوه آه، إيوه آه… كايده…
تقف الوسطى بين الجميع وتصرخ:
الوسطى: الزلمي مات، وطلبنا الطبيب الشرعي ليثبت الوفاة، وبعدكم واحدة عم تهلوس وواحدة عم تزبط المخدة! فيكم تصحوا شوي؟
الصغرى: عن جد مات؟ ليش ما بتذكر كيف؟
تقترب الوسطى منها، تجلسها بقربها على سرير الكبرى، تعانقها وتبدأ بالهمس، ويخفت الضوء عليهن ولا نسمع سوى وشوشات بين الثلاثة..
2.المشهد الثاني
نرى محققا جالسا ومعاونا له يقف خلقه في مواجهة السيدات الثلاث
المحقق : يا ستات صار لنا ساعة عم نحقق معكم ما طلع شي! براءة من هالجريمة ما في! والقاتل ، قصدي القاتلة، واحدة منكم الثلاثة! والبراهين على حصول جريمة كتيرة، مشكلتي إنه مش عم أعرف أي واحدة منكم يللي قامت فيها...
نراه يدور حولهن هو معاونه ويصرخ ويرفع اصبعه ويستفزهن دون أن نسمع ما يقوله، نراه يؤشر ويدور لا ترد أي منهن على أسئلته، إلى أن تنهار فجأة الصغرى، ويعود الصوت:
الصغرى: خلص! معك حق! ما بقى تصرخ علينا! أنا يللي قتلته! قتلته حتى ما اسمع صوت سعلته كل اليوم، سعلته هو وطالع عالدرج ب تخليني أرجف ولو كنت دفيانة تحت لحاف تختي! سعلة بالنهار وسعلة بالليل وكل الوقت عم ارجف... سعلة قبل كل لقمة وبعد كل لقمة، وأنا عم أرجف... ولك سعلته ب دينتي حتى لو ما سعل! خلص! ما بقى بدي ولا سعلة بحياتي! ما بقى بدي ضل عم أرجف...
المحقق (يعود إلى كرسيه خلف المكتب وبهدوء)، كتير منيح، عرفنا الدافع، هلق بدنا نعرف كيف
المعاون: سيدنا كيف كتير منيح؟ إنت مصدق إنه حدا بيقتل حدا من ورا سعلة؟
المحقق: انت خراس (إخرس)، (للصغرى) احكي لي كيف
الصغرى: ما بتذكر
الوسطى: بعدنا كلنا تحت الصدمة، مات فجأة ، مات لحاله، بدون اي سبب، يمكن ذبحة قلبية، أو جلطة بالدماغ
المحقق من فضلك يا مدام ما تحكي الا اذا طلبت منك الكلام
(للكبرى): شو رأيك ستنا، صحيح إنه بنتك هي يللي قتلت أبوها يللي نايم على التخت هون؟
الكبرى (وكأنها استفاقت فجأة)، شو عم تقول؟! بنتي قتلت ابوها؟ أعوذ بالله! شو مجنون إنت؟! بنتي ما بتقتل صرصور!
المحقق: إذا مش بنتك، لكن مين؟
الكبرى: أنا! (وتخبط على صدرها)
المعاون: سيدنا الهيئة بالدور كل واحدة رح تقول إنها هي يللي قتلته
المحقق: إذا مش رح تخرس رح حطك برا وممنوع تدعس هون لحظة، فهمت ولا بعد؟
المعاون: حاضر سيدنا
المحقق للكبرى: فيني افهم ليش قتلتيه؟
الكبرى: (تنظر إلى الأرض)، يمكن مش رح تصدقني، بس أنا قتلته لأنني ما بقى قادرة اتحمل صمته الرهيب معي، كأنه أخرس، ما وجه لي كلمة واحدة من 15 سنة! صباح الخير ما في! كأنني شبح، كأنني مش موجودة وعايشة معه بالبيت! مين بيحمل هيك 15 سنة؟!
المحقق: كتير منيح، وكيف قتلتيه؟
الكبرى: عم حاول اتذكر مش عم اقدر، يمكن بسبب كل المسكنات يللي عم آخذها لأوجاعي، ساعة بشوف حالي نايمة وبسمع شخيره حدي، وساعة بفيق مرعوبة حاسة أنه مات وشبع موت، وبالنص ما بتذكر شي، بس أكيد إنه أنا للي قتلته، وما حدا غيري! أكيد مش بنتي! أنا الخوتة، أنا يللي قتلته أكيد! بس ما بتذكر كيف، ولا ايمتى... (وفجأة، يدب الندب والنحيب)، مات! مات قبل ما يرجع ابني! قلت له نطور، الصبي راجع، ما رد عليّ، قلت له قديش مشتاقة له، ما رد عليّ، يا حسرتي! راح الصبي! يا ويلي، وين الصبي!
تركض الصغرى لتهدئة أمها بينما يهز المعاون راسه ساخرا مقلدا أياها من خلف ظهر المحقق، وينظر المحقق إلى ما يجري سارحا في أفكاره
المحقق للوسطى: دورك مدام، تفضلي
الوسطى: (ببرودة أعصاب) للصراحة، شو بدك فيهم هول الاثنين، أعصابهم تعبانة ومجانين وعم يدافعوا عن بعضهم بشكل أهبل، ولا تواخذني، إنت ومعاونك كمان مجانين، مصرين في جريمة وجريمة ما في! (ثم بغضب) لا هي ولا هي ولا أنا ولا حدا قتله، مرتو بدها تقتله لأنه كلمة ما بيجكي معها؟ أو بنته كرمال سعلة؟ بلا هبل! مات موتة ربه، ونقطة عالسطر! وتفضل يا اعتقلنا يا قوم بواجب التعزية بفقيدنا وروح كفي شغلك غير عنا إذا بتريد...
يصرخ فيهن المحقق
المحقق (بغضب) كلكم لبرا فورا! (للمعاون) خليهم ينطروا برا تحت حراستك، وخللي يللي بنده لها تفوت، وما بدي اسمع ولا حس ولا صوت! تفضلوا لبرا إذا بتريدوا !
يدور وحده في الغرفة غاضبا ومفكرا، يلقي نظرة على الجثمان من حين إلا حين، ثم يعود إلى الدوران، ثم يعود ويجلس خلف المكتب ، ويصيح للمحقق الواقف خلف الباب:
المحقق خللي مرتو تتفضل
.يفتح المعاون الباب ويدخلها دون أن يجروء على الدخول
3.المشهد الثالث
المحقق (للكبرى الجالسة قبالته) مدام بعدها حرارتك طالعة؟
الكبرى والله ما بعرف، ما في إلا باخذ دوا من هون ولبخات من هون، وأصوات حولي و جوات راسي، بدّك تدس جبيني لتشوف إذا عليّ حرارة؟
المحقق لا شكرا... يا مدام، في عنا إثبات إنك مسؤولة بطريقة ما عن هالجريمة،
الكبرى: (بسخرية) طريقة ما ؟ شوف حبيبي، أنا تعبانة، وبدك اعترف إني قتلته بركي برتاح، خلليني إرجع على تختي (تلتفت للمرحوم في سريره) صار لازم ينشال من هون، (ثم تكمل حديثها كأنها تحكي مع حالها) يا ترى أنا قتلته؟ معقول يا مرا تكوني إنتي قتلتيه؟ إيه معقول، معقول كتير، (كأنها اكتشفت ذلك) ايه، أنا قتلته! قتلته دفاعا عن النفس، كان يا أنا يا هو واحد منا بدو يموت، وأنا ما بدي موت قبل ما إرجع شوف ابني (وتجهش في البكاء)...
المحقق ما فهمت ليش؟ ويناولها محرمة
الكبرى راح الصبي! أكيد راجع! ما بدي موت قبل ما يرجع! لازم شوفه واحكيه قبل ما موت!
المحقق (يتنهد) ما فهمت ليش عم تدعي إنك قتلتيه؟
الكبرى (ترد بلا مبالاة وهي تبكي)، مش عم ادعي، كلامي صحيح
المحقق يعني السبب الاساس إنه مش عم يحكي معك؟
الكبرى (تصرخ فيه) إيه! إنت ما بتعرف شو يعني لما بتصير شبح بحياة واحد مفروض يكون شريك حياتك!
المحقق روقي مدام، بلا عياط إذا بتريدي، وتفضلي ارجعي انطري برا، وخللي بنتك تفوت
الكبرى (وهي تقف) بنتي ما دخلها ب شي! ما تجرب! ما تعذب حالك! أنا عم أكد لك: ما خصها ب، شي بالمرة
المحقق (مشيرا إلى الباب) ممنونك مدام على هالنصيحة...
4.المشهد الرابع
تدخل الصغرى ويقف المحقق مستقبلا اياها معدا لها كرسيها مثل جنتلمان انكليزي
المحقق للصغرى: الهيئة أنه أمك هي التي قتلته...
الصغرى: مستحيل! ماما حرارتها طالعة كتير وعم تهلوس وكل شي عم تحكيه مش صحيح!
المحقق: هي اعترفت، هلق، قبل ما تضهر من هون
الصغرى: (بتحد) وأنا كمان اعترفت من شوي! وشو يعني؟ عم قول لك مش إمي يعني مش إمي! إمي بريئة!
المحقق إذا مش إمك، لكن مين؟ قولي الحقيقة !
الصغرى عمتي هي التي قتلته! كان يعمل لها مشكل كبير كل مرة ترجع بالليل، وأحيانا يمد إيده عليها!
المحقق: وليش يعمل لها مشكل كبير؟
الصغرى إلو سنين بيأخذ منها نص معاشها بالقوة، بدها تدفعهم لحضرته هي وساكتة! كان يضل يعيد لها كل النهار أغنية إنه هو رباها وهو يللي دفع حق تعليمها وما كان يحل عنها! بدك اياها تتحمل إنه عم ياخذ مصرياتها من سنين؟ يمكن لو أنا محلها كنت قتلته، بس هيدا بيي وأنا بحبه ! (وتجهش بالبكاء) مش عم صدق إنه مات
يقوم المحقق من مكانه لتهدئتها برفق ويعطيها محرمة...
المحقق: روقي مادوموازيل، ما بيصح إلا الصحيح، روقي دخيلك، الله يرحمه، كان آدمي
يأتي بمشلح موضوع على سرير الأم ويضعه على اكتافها ، حين يدخل فجأة المعاون دون طرق الباب
المعاون: (حين يرى المحقق منحنيا على الصغرى)، سيدنا بدّك فوت الأخت ولا بدك بعد وقت مع هالقمورة؟
المحقق: (مرتبكا رغم إظهاره العكس)، كم مرة قلت لك ما بتفوت قبل ما تدق الباب وتسمع تفضل؟! شو أطرش، ولا غبي، ولا عم تتغابى؟
ينظر المعاون الى الصغرى، التي تقوم عن كرسيها باتجاه الجثمان،
المحقق: دوموازيل تفضلي إذا بتريدي مع المعاون ل برا، (وللمعاون)، خللي اختو للمرحوم تتفضل
تخرج الصغرى مع المعاون، لتدخل الوسطى
5.المشهد الخامس
المحقق: للوسطى : مدام شو برأيك صار مبارح عالمزبوط؟ إحكيلي بالتفصيل، كلني سمع
الوسطى: (بتأفف) كنا عم ننام ونفيق إلنا ليلتين، كان عم يعنّ كل الوقت، ومرته لاقطة فيروس بيعملها حرارة عالية، ومعها ديسك بظهرها، وبتضلها تنام وتفيق وتحكي عجايب، وبنته حالتها مثلنا، لا قادرة تتركه ولا قادرة تبقى، ساعة بتنام ساعة بتفيق
المعاون: إيه، وبعدين؟
الوسطى: بعدين لازم يكون مر شي لحظة غفينا فيها ثلاثتنا وقرر حضرته يموت بهاللحظة
المحقق: مدام، بعد التحقيق مع الجيران ومرت أخوك وبنته، وبعد مراجعة الأدلة، تبين لي إنك المتهمة الأولى لليوم بختق أخوكِ ليلة مبارح
الوسطى خيي ورباني من أنا وصغيرة، وبدي إقتله؟ معقول؟ دفع عني كل شي من لما توفي بيي ودفع دراستي! مين يللي خبّرك إنه أنا ممكن كون القاتلة؟ بس جاوبني؟
المحقق مش مهم مين، المهم إنه عندي إثبات، وشو ما بررتي، مش رح ينفع
الوسطى: شوف يا حضرة المحقق، فيك تفكر وتستنج مثل ما بدك، بس في إشيا ما بتعرفها ولا ممكن تعرفها إلا إذا أنا خبرتك اياها! وأنا أكيدة إنه هاي مرت خيي يللي اتهمتني بحديثها معك! أنا ما كنت حابة إحكي عليها، لأنه في بيني وبينها خبز وملح من سنين، بس عم رجح إنها هي التي قتلته لما أنا وبنتها كنا غفيانين، ما تصدق أنها معترة ومسكينة، لازم تصدق انها قتلته لأنها ما قدرت تتحمل سكوته، أخوي كان نص أخرس معنا، وأخرس عالآخر معها... حاضر ناطر قاعد ب نص الأوضة، وما بتاخذ منه كلمة! بيطلع فينا مش عاجبه شي، يعني وضعها كان كتير صعب... أكيد تحت تأثير كل هالأدوية، قامت بالليل وعملتها!
المحقق كيف عملتها برأيك؟
الوسطى ما بعرف، هيدا شغلك مش شغلي، بس المعاون قال إنكم تأكدتوا إنه المرحوم مات خنق، صحيح هالكلام؟
المحقق (يضع يده على رأسه ويتمتم) بدي أقصف عمره!
الوسطى ممكن تكون ببساطة قامت وخنقته
المحقق إيه، وما سمعتي ولا شي؟
الوسطى أنا للاسف نومي ثقيل من أنا وصغيرة، ما بفيق إلا إذا كبوا علي مي
المحقق عن جد بدك اياني اقتنع إنه حدا بيقتل حدا لأنه ما بيحكي معه؟
الوسطى: حضرة المحقق، السؤال مش هون، السؤال يللي لازم ينسأل هو: ليش صار له سنين ما حكي معها ولا كلمة؟ شو شاف؟ شو دري حتى خرس هالخرسة العجيبة؟
المحقق شو قصدك؟ وضحي الفكرة إذا بتريدي
الوسطى أنا ما بعرف أعمل شغلك، فتش عن سبب خرسه، ويللي عم يصير هو مشكلتك، أنا مشكلتي إنه صار لازم ينشال هالجثمان قبل ما تطلع ريحته، ولازم نفتح البيت للعزا، وتتركونا نحد عليه شوي بدل ما تقعدوا تستجوبونا من عبكرة الصبح! (ثم تصرخ فيه) كله افتراء منك!
المحقق مدام للمرة الثانية انتبهي كيف عم تحكي معي
الوسطى (تقف) بعد بدك مني شي؟
المحقق لا شكرا، (مشيرا لها إلى الباب لتخرج، ويصرخ للمعاون الواقف خلف الباب) خللي الثالثة ترجع تتفضل ()
الفصل الثاني
6.المشهد السادس
المحقق: (للمعاون) كل ست منهن متهمة وبنفس الوقت بريئة، ثلاث معترين محزونين مش عارفين شو عم يحكوا...
المعاون: إنت قلبك طيب معلمي، وما عندك خبرة، هول كل واحدة منهم بتلعب عشرة مثلي ومثلك على أصابيعها الصغيرة
المحقق يا زلمي ما بعرف ليه هالقضية قابضة على قلبي، كل ما واحدة منهم حكيت كلمة ب يزيد ضياعي! عم يصير معي "كرامب" تشنج عضلي ب بطة إجري كل شوي!
المعاون: سيدنا أنا مع هيك ناس دغري ب شم ريحة جريمة،
المحقق: فيك تعطيني استراحة من آرائك؟
المعاون ، متلبك ومتردد: " سيدنا، دخن عليها تنجلي"
ويناول المحقق سيجارة
المحقق: أنا ما بدخن
المعاون: سيدنا هيدي سيجارة غير شكل، أحلى من الزاناكس، جربها على مسؤوليتي، وأكيد هيدي جزء من سرية التحقيق
يتناولها المحقق ، ويقلبها بين يديه مفكرا
المحقق: فوتهم كلهم يرتاحوا شوي، وأنا رح إضهر دخنها برا
يفتح الباب ليخرج فيجد الوسطى قبالته تقول:
الوسطى: بتحبوا تشربوا أو تاكلوا شي؟ نحن للصراحة نشف ريقنا وجعنا
المحقق لا شكرا
المعاون، ما بقى محرزة، قربنا نخلص
الوسطى منيح طمنتني، يعطيكم العافية (ما إن تكاد تغلق الباب خلفها)
المحقق تفضلوا فوتوا ارتاحوا ومنرجع منكفي بعد شوي
الوسطى (تدخل مسرعة) مرتو وبنتو راحوا عند الجيران دقايق... والله هالزربة برا مش مزبوطة
لا يرد المحقق ويودّ الخروج مخبئا سيجارته، ثم يلتفت للمعاون
المحقق خلليك حد المدام والستات لما يرجعوا
المعاون ليه سيدنا؟
المحقق وهو يغلق الباب خلفه : ما بيخصك
7.المشهد السابع
تقترب الوسطى من المعاون ببطء ودلال، تجلس على الطاولة مقابله وتأخذ وضعية مثيرة، وتسأله
الوسطى قلت لي قربت تخلص؟ برافو، والله سريعين
المعاون مرتبكا مدام إذا بتريدي ارجعي ل ورا
متجاهلة ارتباكه وما يقوله، تقترب أكثر وتلامس خده باصبعها
الوسطى ومين طلع معكم يللي قتلته؟
يتكهرب المعاون، يحاول التملص ويرد عليها دون تفكير
المعاون ما حدا! ما حدا قتله
الوسطى عفاك! أنا هيك بحب الرجال، يكون فهمان وذكي مثلك
(تقترب منه وتتنشقه)
ويللي ريحته حلوة مثلك
يتكهرب ويسرع نحو الباب يخرج ويصفق الباب خلفه
8.المشهد الثامن
يقرفص المعاون بقرب المحقق على الأرض ويسند ظهره مثله على الجدار خارج الغرفة
المحقق (دون أن ينظر إليه) تركتهم وحدهم بالغرفة؟
المعاون وين بدهم يروحوا؟ سيدنا، في معي حبتين صفوف عطياتني اياهم مرتي الصبح ، يخرجهما ملفوفين بمحرمة، يناوله حبة، ويضيف
المعاون شو حاسس هالنهار طويييل، مش عم يخلص
المحقق: (بينما يأكل حبة الصفوف) شو قولك؟ مرته ولا أخته ولا بنته؟
المعاون: والله يمكن كلهن سوا سيدنا
المحقق: ما بدها ثلاث ستات ت يخنقوه بمخدة ل هالمعتر! واحدة منهم بس يللي عملتها
المعاون: أنا فيني أعرف مين بيناتهن يللي قتلته بسهولة
المحقق: هات لنشوف (ناقرا بأصبعه على الأرض) إيني ميني بيتا يا سماره زيتا طره نقشه طره نقشه إيني ميني بيتا
المعاون: ولك شو هالبضاعة هاي! مش بس راق راسك، صار عم يبرم برم،
المحقق: هات سمّعنا شو الحل تنشوف
المعاون: الحل إنه تفلّتني عليهن، لحالي معهن، وبعطيك النتيجة قبل ما يغيب الضو
المحقق: إيه وشو بتعمل لهم يعني؟ تضربهم؟
المعاون: سيدنا أنا ما بضرب نسوان، قصة مبدأ، بس إذا استعصى الأمر، للضرورة أحكام
المحقق: للضرورة أحكام؟ إيه والله العظيم إنت واحد مجرم! منين الله بلاني فيك ؟! كل نفسيتك ما بتعجبني! كل تحليلاتك غلط! ما بعرف على شو باني نظرياتك، كلك غلط بغلط!
المعاون: مش أنا للي غلط، حضرتك للي غلط، إنت واحد ضعيف مع النسوان!
المحقق: والله ما بعرف مين جابك وحطك بهالسلك بس رح خلليك تندم على هالفوتة! بتعرف شو؟ قوم من وجهي قبل ما يفلع راسي! قوم!
المعاون: (يقف ويتجه نحو الباب غاضباً) سيدنا كلهن ناطرينا جوا
المحقق: معنا وقت (ويشير له بيده بالدخول إليهن)، قوم لجوّا!
المعاون: لأ ما معنا وقت، إلنا من وج الضو قاعدين بلا أكل وما وصلنا لمحل، لأيمتى يعني ناوي تزربنا؟
المحقق دون أن ينظر إليه: انقبر جوا!
يدخل المعاون إلى الغرفة ويغلق الباب خلفه بعنف
9.المشهد التاسع
المحقق: (يحدث نفسه) حدا بيكون عنده مرا آدمية وبيعمل فيها هيك؟ حدا بيكون عنده أخت شاطرة وقبضاية وبتطلع مصاري، بيعمل هيك؟ ولك حدا بيكون عنده بنت حلوة قمورة، بيعمل هيك؟ أنا لو محله للمرحوم كنت دلعتها، عبطتها، رقصتها، وخليتها تطير بالهوا من الفرح، (ويتخايل أنه يرقص فالس معها ويستمر في الكلام) أميرة اللطف والجمال، (ويدور على نفسه وهو يغني أغنية حب)...
يدخل المعاون ليجده يرقص في الخيال مع أحد،
المعاون: سيدنا نحن كلنا ناطرينك جوا
المحقق: خليكم ناطرين لحد ما يروق راسي
المعاون: سيدنا ما على أساس أخذت شي ليروق راسك؟
المحقق: بعد ما راق
المعاون: بعدو عم يبرم برم ؟
(يدفعه المحقق دفعا داخل الغرفة مجددا، ويغلق الباب، ويبدو عليه التسطيل)
المحقق: (لنفسه) وين كنت؟ شو كنت عم بعمل؟
ينظر حوله ضائعا ثم يدخل الغرفة ويجلس خلف الطاولة ويضع رأسه بين يديه
المحقق: (للمعاون ودون أن ينظر الى السيدات) طلع مرته وأخته لبرا إذا بتريد وخللي بنتو تبقى هون إذا بتريد
يخرج االمعاون الكبرى والوسطى وقبل أن يقفل المعاون الباب يهمس للمحقق:
المعاون: ختامها مسك، ما هيك؟
المحقق: (يصرخ) انطرني بره!
10.المشهد العاشر
يخرج المعاون ويدعو المحقق الصغرى بالإشارة إلى الجلوس مقابله خلف الطاولة. صمت. يقلب بين أوراقه، لا يعرف من أين يبدأ. يبدو ضائعاً
الصغرى: بدّك مساعدة؟ عندك شي سؤال بدك تسألني إياه؟
المحقق: نعم. (كأنه وجد ما يبحث عنه) عمتك عم بتقول إنه مصروفك أكبر بكتير من دخلك، ممكن تشرحي لي كيف وليش؟
الصغرى: عمتي شو خصها؟ وهيدا السؤال شو دخله بموضوع بحثك الأساسي؟
المحقق: إذا بتريدي ما تحاولي تتذاكي، أنا يللي بطرح الأسئلة هون، تفضلي ردي عالسؤال حتى نخلص بسرعة
(لكنه لم يزل يبدو ضائعاً وكأنه يبحث عن أفكاره بين أوراقه)
الصغرى: أنا بشتغل مساعدة مدير مكتب محاماة نص دوام، و call girl بس يكون جايي عبالي
المحقق: دوموازيل إذا بتريدي بلا مزح ، مش وقته هلق
الصغرى: مش عم إمزح، أنا بشتغل call girl بس يكون جايي عبالي، عندك مشكلة مع الموضوع؟
المحقق: خلليني افهم مزبوط ، تنكون واضحين: قصدك دعارة؟
الصغرى: فيك تسميها هيك إذا بدّك، بس على مستوى راقي، يعني أنا بختار مش هو بيختار،
المحقق: مقابل مصاري؟
الصغرى: أحياناً مصاري، وأحياناُ هدايا، سفرات، شم هوا... يعني حسب
يبدو المحقق مذهولا مصدوماً. يصمت. ينظر إليها دون كلام. وهي تنظر إليه مطولا، دون كلام.
المحقق: ممكن أعرف ليه؟ هيدا سؤال ما إله علاقة بالتحقيق، وفيكي إذا بدك ما تردي عليه
الصغرى: عم تسألني ليه؟ (بسخرية) ليه لأ؟ برأيي، ما في مانع دبّر حالي بالمؤهلات للي عندي إياها، فدبرت حالي
المحقق: ما فيه مانع؟ هيدي دعارة! هيدا ممنوع بالقانون!
الصغرى: إذا هيك لازم يحطوا ثلاثة ارباع النسوان للي بيتزوجوا بالحبس! بيعيشوا كل عمرهم عم بيبيعوا حالهم لرجالهم لأنه ما قادرين يعيشوا من مؤهلات غير عضوهم الجنسي! أنا بدل ما بيع حالي لرجال واحد، بنقي كم واحد على ذوقي، كرماء، لطفاء، بيدلعوني وبيعززوني وبيعامولني أحلى معاملة، فيه أحلى من هيك؟ ما بحب المونوبول...
المحقق: شكراً دوموازيل. ما بقى عندي أسئلة. تفضلي انتظري برّا.
الصغرى: بينما تقف: شو؟ زعلت؟
المحقق: ليه بدي إزعل؟ تفضلي انتظري برّا إذا بتريدي.
الصغرى: تتجه نحو الباب: ما بدها زعل، إنتَ للي كنت حابب تفهم،
المحقق: شكراً على اهتمامك، تفضلي لبرا اذا بتريدي.
تخرج الصغرى. ما إن تغلق الباب خلفها، يتنفس المحقق متعباً الصعداء، وينظر إلى سقف الغرفة متعبا، يدخل المعاون مجددا للمرة الألف دون أن يقرع الباب:
المعاون: (مجددا ودون قرع الباب) سيدنا عم يطلبوا يروحوا ساعة عند الجيران لحاجات حميمة مثل ما قالوا، بدك تسمح لهم؟
المحقق: أوكي، أنا كمان تعبت. انطرني برا إذا بتريد
المعاون: سيدنا شو بقعد على الأرض يعني؟
المحقق: خود كرسي معك.
يحمل المعاون كرسي الى الخارج، يضع المحقق رأسه على ذراعيه ويغفو على المكتب.
الفصل الثالث
11.المشهد الحادي عشر
يجلس المعاون خلف الجدار على الكرسي، تصل الوسطى وحدها في فمها سيجارة وتقترب بدلال منه
الوسطى: سلام عالشباب
المعاون بلا سلام بلا بلوط! هيدول الحركات ما بيمرقوا عليّ ! بقي البحصة واعترفي انك انتي للي قتلتيه، أنا من أول لحظة عرفت إنه هيدي إنت، ما كان عندي فيها ذرة شك
الوسطى شو جايي تتمرجل علي وتثبت رجولتك؟ ما شفت كيف هربت مني مثل العصفور المرعوب
المعاون يقفز من مكانه واقفا بغضب: اخرسي! واحدة شرموطة! أنا أمثالك بعرفهم! بدكم ضرب بالصرماية!
الوسطى: تضحك وتتكئ بذراعها على الجدار تأخذ نفس سيجارة وبلهجة ساخرة
شو؟ خيفان ترجع ترجف وتنرعب؟ كنت بعد ما دقرتك و بلش يطلع الدم عراسك (وتضحك)
يحاول صفعها لكنه يتوقف آخر دقيقة وينزل يده فتصرخ فيه:
الوسطى: آه يا قبضاي، لو كنت دايق طعم المرا ما كنت قدرت ضربتها، دخلك إنت أكيد إنه مرتك مرا مش ثلاجة؟
يقف المعاون مرتجفا من الغضب عاجزا عن الحركة
الوسطى دون توقف، الأرجح مش الحق عليها إذا هي ثلاجة، الحق على يللي ما عندو شي يدفيها فيه
يهجم المعاون عليها ويحاول خنقها بشدة.
فجأة تصل الكبرى متأوهة من أوجاع ظهرها
ينتبه لما يفعله ويعود بسرعة الى كرسيه ثم ينتبه ويصرخ
المعاون: وين الصغيرة؟
الكبرى بالحمام عند الجيران، بدي فوت على تختي ما بقى قادرة أوقف من وجع ظهري
تدخل الكبرى الى الغرفة وتترك الباب مفتوحا.
تقوم الوسطى عن الكرسي ممسكة بعنقها متألمة تسعل وتتجه نحو الخارج
الوسطى (للمعاون) أنا رايحة عند الجيران
12.المشهد الثاني عشر
يستيقظ المحقق ببطء ويجلس مفكرا ممسكا برأسه، ينظر الى الكبرى ولم يستيقظ تماما بعد، يشرب كوبا من الماء، يقف، ينظر إلى أوراقه فوق الطاولة، يذهب صوب سرير الكبرى مع كرسي بيده، يجلس قربها،
المحقق: لا تواخذيني سهيت عيني على المكتب، شو صار أنا ومش واعي؟
فجأة تزحف الكبرى على سريرها وتمسك بالمحقق من يديه :
الكبرى: دخيلك ما تروح؛ دخيلك ما بقى تتركني لوحدي
المحقق: (يطمئنها بلطف) وحياتك ما بقى رح إتركك لوحدك
الكبرى: عن جد يا إبني ما بقى رح تتركني؟
(وتتشبث بالمحقق وتبدأ بتقيبل يديه شاركة متمتة)
المحقق: خلص يا مدام، خلص بيكفي (محاولا سحب يديه منها بلطف)
الكبرى: يا إبني والله العظيم ما قصدي زعلك، ما بريد بحياتي زعلك، بس إنت فهمت كل شي غلط
المحقق: (متملصا) ما تعطلي همّ، ما فهمت شي غلط،
الكبرى: يا إبني يا روحي يا عمري ما بقى تحرمني من شوفتك، ما بقى ترميني بهالعذاب
المحقق: يا مدام أنا مش إبنك، أنا هون عم حقق بموت هالرجل المعتر للي نايم هون (ويتملص مها مبتعدا)
الكبرى: تقاطعه وتزحف في سريرها باتجاهه وتمسك به: دخيلك ما تفل! ما تتركني وحدي!
المحقق: شوي يللي صار وفهمته غلط؟
الكبرى: ابني الله يخليك ما تعمل حالك مش فهمان عليّ، إنت شفت شي وفهمته غلط!
المحقق: شو شفت؟
الكبرى: ما كان في شي بيني وبينها، منحب بعض كثير بس ما في شي أكثر من هيك
المحقق: اوكي، بس مين هيّ بالنسبة إلك؟
الكبرى: أخت جارتنا، لا أكثر ولا أقل
المحقق: (يلتفت للجثمان) هلق خرست الخرسة العجيبة مشان هيك؟
الكبرى: (يلتفت الى الكبرى متنهدا) مدام الحب مش ممنوع، ومش مهم بين مين ومين
الكبرى: مش ممنوع؟ (تدخل تحت اللحاف، تبكي ثم يخفت بكاؤها ثم تغفو)
المحقق: (لنفسه عائدا الى المكتب) الهيئة انه البضاعة للي دخنتها مضروبة، ما في ماء؟ يتجه نحو باب الغرفة ويخرج.
(لم يزل المعاون وحده خلف الباب)
13.المشهد الثالث عشر
الكبرى تحت لحافها، وفجأة يقوم الجثمان ويتمشى في الغرفة كأيام عزه، يجد علبة حلاوة على إحدى الطاولات فيفتحها ويبدأ بالأكل، تغطي الكبرى وجهها من الرعب،
تدخل الصغرى لتجده واقفاً يأكل حلاوة بالملعقة، تنظر إلى السرير، تجده فارغاً
الصغرى: بابا؟
الجثمان: كأنه رآها فجأة: حبيبتي (ويحملها بسرعة بين ذراعيه ويبدأ بالدوران) اشتقت لك. وين كنتي يا قمورة؟
الصغرى: (تضحك من قلبها) وأنا كمان اشتقت لك
يستمر بالدوران بها ثم يرفعها في الهواء ثم حين يفلتها تستمر في الدوران وحدها وهي تضحك كالأطفال
الجثمان: بعدني جوعان
الصغرى: بابا، عم طير
(يعود إلى الحلاوة ويأكل حتى تفرغ العلبة، ثم يعود إلى سريره ويغطي نفسه ووجهه مثل فبل كالجثمان)
خلال هذا الوقت، الكبرى مختبئة تحت اللحاف لكنها تراقب مرعوبة ما يجري، وما إن تطمئن إلى أن الجثمان عاد إلى مكانه دون حراك:
الكبرى: تهمس مرعوبة لابنتها : شو هيدا يللي صار؟
الصغرى: بعدني عم طير، مش شايفتني حد السقف؟
الكبرى: انزلي دخيلك، انا ميتة رعبة، دخيلك انزلي حدي قبل ما يرجع يفيق...
تنزل الصغرى بهدوء، تلمس من تحت الحرام الابيض يد أبوها ثم تندس بخفة بقرب أمها تحت اللحاف)
تدخل الوسطى مسرعة إليهما، وتخبرهما:
الوسطى: كان رح يقتلني! (للكبرى) لو ما وصلتي كنت هلق متت!
وتندس تحت اللحاف معهم من جهة الأقدام
الكبرى: هسسسس! هلق بيسمعك
الوسطى: مين؟ الشباب برا واقفين ما بعرف إيمتى بيفوتوا
الكبرى: هيدا للي نايم حدنا، من شوي فاق
(تلتفت الوسطى وتسأل الصغرى مرعوبة):
الوسطى: عم تهلوس مثل العادة؟
(تشير الصغرى برأسها أن أمها لا تهلوس، فتهب الوسطى واقفة مرعوبة)
الوسطى: ما بحبّ الأرواح وقصص الأرواح! دخيل الله ما بدي أبقى بهالغرفة دقيقة
تذهب نحو الباب لكنها تعود ببطء وتسأل:
الوسطى: عن جد فاق؟
الصغرى: اقعدي، هلق نايم ومثل البراد يعني مش شكله رح يفيق
تعود الوسطى، متوترة، وتجلس بقربهما على سريرهما:
الوسطى: موّتني المعاون رعب! كان رح يخنقني! بحلف يمين كنت رح موت! قطع لي نفسي! هيدا واحد مجنون! ومجرم!
الكبرى: روقي حبيبتي روقي
الصغرى: رح قوم جيب لك كباية مي
الوسطى: مش رح نخلص منهم بقى؟!
الكبرى: ايه والله! لازم يخلونا ندفنه ونترحم عليه!
الوسطى: هلكونا! واحد مريض عقلي وواحد نص الوقت غفيان!
الكبرى: قولكم فيه شي طريقة نخلص منهم؟
الوسطى: أكيد فيه!
الصغرى: (وهي تناول الوسطى كباية مياه وتندس مجددا قرب أمها): كيف ؟
الوسطى تبدأ بالرد بالهمس والوشوشة.
يخفت الضوء على النسوة الثلاث تتآمرن على السرير بقرب الجثمان حتى العتمة الكاملة.
14.المشهد الرابع عشر
فجأة يسعل الجثمان،
يمتلأ الجو بالدخان والأضواء العجيبة للايحاء بالحلم)
الصغرى: بابا الله يخليك ما تسعل!
يستمر الجثمان بالسعال
الصغرى: وقف سعلة دخيلك!
الوسطى: (وقد استيقظت) استناولي هالمخدة وحطيها على وجهه وخلصينا بقى
الصغرى: (بحدة) ما بقدر! لو بقدر كنت عملتها من زمان (لم يزل الجثمان يسعل)
الكبرى: مبلى بتقدري! شو بدها؟
الصغرى: شو بدها؟ وليه ما بتعمليها إنتِ؟ (وترمي المخدة لأمها)! تفضلي!
الكبرى: أنا ما عندي حيل! هالشغلة بدها قوة، وأنا يا دوب قادرة إمشي
الصغرى: تصرخ على الجثمان: عم قولك لك ما بقى فيني إسمع هالسعلة البشعة! مش رح توّقف؟
الوسطى: (للكبرى في ذات الوقت) ولا بدها حيل ولا شي، ما هو ما تهزه واقف عشوار، فيكي حيل تحلي مشكل بشقفة مخدة صدقيني
الكبرى: (مرتبكة) ما بعرف، بلاقيها مش هيّنة،
الصغرى: للوسطى: دخلك عمتي؟ إنتي خطر عبالك شي مرة إنتي تعمليها؟
الوسطى: مليون مرة! بس ما عملتها
الصغرى والكبرى: ليه؟
الوسطى: ما بعرف، يمكن كل واحدة منا مش جاهزة بعد
الكبرى: الشي الأكيد إنه هو للي مش جاهز بعد
الوسطى: كمان بقول لحالي "ما بقى محرزة، صار قريب كتير يموت لحاله، كل يوم بقول اليوم"
الصغرى: أنا مش جاهزة، وأظن ولا بيوم بحياتي رح إجهز
الوسطى: ثلاثتنا مش جاهزين، بس يمكن مجموع ثلاثة أثلاث بيعمل واحدة فيها تعملها
الكبرى: دخيلكم وجعني راسي، شو هاي مجموع ثلاثة أثلاث، فيكم بلا فلسفة آخر هالليل، خللينا نغير هالحديث ونرتاح شوي
الصغرى: نرتاح شوي؟ ليش كم ألف سنة إلنا ما ارتحنا؟ (للوسطى) عمتي، معك حق، ثلاثتنا سوا أقوى من كل واحدة لحالها، خللينا نقوي بعضنا...
الكبرى: أنا مستعدة قوّي حالي (تلتفت الى الصورة في الإطار) إذا هو حدّي
الوسطى والصغرى معا: يييي علينا! رجعنا!
الكبرى: (متراجعة) أنا مستعدة إذا إنتو حدّي
الوسطى للصغرى والكبرى: (ينظران الى بعضهما اليعض) شو؟ يللا؟
ينطفئ الضوء فجأة. تصيح الكبرى
الكبرى: رجعت احترقت اللمبة! تعبت، تصبحوا على خير
الوسطى: بكرا الصبح منغيّرها، تصبحوا على خير sweet dreams
الصغرى: تتثاءب bonne nuit
صمت وسواد حالك.
يسعل الرجل وتزداد حشرجاته بسرعة مع السعال، كأنه يختنق بسعاله، ثم يتوقف كل شيء.
صمت تام.
الصغرى: شو؟ مات؟؟؟
صمت مرة ثانية. سعال أخير وحشرجة أخيرة.
صمت طويل.
يطلع الفجر ويعود الضوء ببطء
سماع أصوات بكاء ونحيب يعلو رويدا رويدا
كل واحدة منهن في طرف من السرير تبكي.
15.المشهد الخامس عشر
يجلس المحقق والمعاون كل منهما على كرسي خارج الجدار
المعاون: سيدنا اعتمدت مين المجرمة بيناتهم؟
المحقق: بعد ما وصلت لأي نتيجة
المعاون: صدقني انه متفقين ثلاثتهم وعملوها سوا، ساعة كل واحدة بتقول هي القاتلة، وساعة كل واحدة منهم عم تتهم الثانية، وساعة أوادم وساعة شراميط، لا تواخذني على هالكلمة، بس ما بينطاقوا
المحقق: (بتأفف) فيك تبطل تكون سلبي وتجرب تكون نظرتك إيجابية للأمور، بركي هيك منلاقي الحل؟
المعاون: الإيجابية طيبة قلب سيدنا بس انت بعد ما علمتك الحياة
المحقق: حلّ عني يا زلمي ، يا أخي جرب الصمت وفكر وحدك براسك
المعاون: سيدنا، بس كلمة أخيرة، بتعرف إنه أخته تقربت مني بشكل غير لائق؟ يعني بدك تقول كأنها عم تغويني
المحقق: وبعدين؟
المعاون: كنت رح اضربها كف بس على آخر دقيقة ضبطت حالي، بس هي ضلّت تستفزني بكلامها وحركاتها حتى صار جايي على بالي اخنقها، والغريب سيدنا انها هو أنها عرفت أنا شو عم حسّ، وقالت هي وعم تتمسخر: "تعا اخنقني"، بس أكيد أنا ما خنقتها
المحقق: حل عن سمائي، خلص، بدي رواق
المعاون: سيدنا هي أكيد رح تحكي غير شي، بس أوعى تصدقها، هيك نسوان ما فيك تصدقهم، كل شي بيقولوا كذب
المحقق: فيك تخرس؟
يخرس المعاون. تمر دقيقتان من الصمت حيث يحدق المعاون في الفراغ ويغفو المحقق مجددا على كرسيه
المعاون: (ينصت) سامع صوت بكي أو أنا غلطان؟
المحقق: صوت بكي؟ (ينصت) ايه والله! قوم تنشوف شو صاير جوّا
المعاون: (وهو يفتح الباب للمحقق بسخرية) هلق تذكروا يزعلوا عليه؟
16.المشهد السادس عشر
ما إن يفتح المعاون الباب حتى تقوم السيدات بسرعة عن السرير، يدخل خلفه المحقق بينما فجأة تتغير أحوال السيدات، تضع الصغرى قلم حمرة على شفتيها، وتمشط الكبرى شعرها، وبينما تعيد الوسطى هندسة ثيابها، تقول لهم،
الوسطى: تفضلوا تفضلوا، يا هلا بالشباب، طلبنا عشاء طيب ديليفري وصار رح يوصل، وعنا عرق بلدي، هلق منرتاح سوا ومناكل سوا وبعدين لكل حادث حديث،
المحقق: ما في ضرورة تعذبوا حالكم، نحن ما بقى مطولين، رح نمشي هلق ونرجع بكرا
المعاون: بشرفك سيدنا خللينا ناكل لقمة وبعدين منتسهّل وإذا لزم الأمر منرجع بكرا
الوسطى: خللّينا ناكل هلق والباقي مثل ما بيريد الله
الكبرى: انت مثل ابني، والبيت بيتك، اتفضلوا ارتاحوا في لقمة طيبة ونحن سعيدين بوجودكم
الصغرى: عن جد سعيدين
المحقق: طيّب (ودون أن يجلس)، بقدر ساعدكم بتحضير الطاولة؟
الوسطى: (للمحقق) بلش بفتح الأكياس وحط كل شي على الطاولة
(للمعاون) وانتَ يا حلو رتب الكراسي والكنباية حول الطاولة
نسمع صوت جرس، ينظر الجميع الى المعاون فيخرج ويعود وفي يديه أكياس كثيرة مليئة بالأكل،
يبدأ الجميع في تحضير الأكل والشرب (تقوم الكبرى بكسر العرق) ويسرق المحقق نظرات الى الصغرى التي تبتسم له، وتتقرب الوسطى من المعاون
بينما ينقل الكراسي الذي لم يزل يتكهرب كلما مست به، وبعد أم يجلس الجميع، تقول الكبرى:
الكبرى: كاس ضيوفنا حضرة المحقق وحضرة المعاون
يرفع ويشرب الجميع الكاس
الوسطى: كاس الأحبّة
يرفع الجميع الكأس مرة ثانية، يتردد المعاون ولا يشرب
المعاون الأحبّة سيدنا؟
المحقق: (للمعاون) اشرب عليها تنجلي، ويضحك
المحقق: (يرفع كأسه) كاس الستّات الحلوين يللي علقوني بورطة!
الستات الثلاث معاً: كاسك
يشرب الجميع بنيما يتردد المعاون ثم يشرب الكأس ممتعضاً،
الصغرى: (وقد تشجعت، لكن بتردد) دخلك… شو طلع …معكم؟
الكبرى: شششش... مش وقتو … خلينا ناكل ونشرب على رواق
يعم جو من الرواق (تتغير الإضاءة، تضعف وتصبح أكثر رومانسية)، نراهم يتكلمون ويتمازحون دون أي صوت (ربما فقط وشوشات وضحكات عالية)،
المحقق يتودد إلى الصغرى بشكل واضح (يقدم لها لقمة غير شكل)، يملأ كاسات الكبرى والوسطى، بينما يزداد ضحكهن… تقوم الوسطى وتدير الراديو، تتصاعد الموسيقى، (فالس؟) تتجه صوب المحقق وتدعوه للرقص فيقبل ويرقص معها بمهارة، ثم يدعو الكبرى فتتمنع وتشير إلى عدم إتقانها ثم تقوم وتراقصه متعثرة ضاحكة، ثم يدعو الصغرى إلى الرقص فتقوم ويرقصان بإعجابٍ ووله… تراقص الكبرى الوسطى... والمعاون ينظر اليهم بحنق...
في صخب الموسيقى بالكاد نسمع ما يقولون، يتهامسون، يتضاحكون،
إلى أن يعود المحقق خلف المكتب ويخفت صوت الموسيقى
يبدو الصوت واضحاً…
المحقق: الله يرحمه… (وهو يبتسم)
النسوة الثلاث متعلقات بحبال صوته:
الستات: الثلاثة معا: الله يرحمه
الكبرى: (بعد أن ترشف من كأسها) ما قلت لنا بعد، كيف برأيك مات ؟
الرجل: رجال كبير…
الوسطى: ايه والله رجال كبير
الصغرى: رح اشتاق له لبابا
المحقق: (وهو يمضغ) كان آدمي، الله يرحمه
(وقبل أن ينهي جملته، يتشردق باللقمة ويأخذ بالسعال كأنه يختنق)
تركض الصغرى وتحضر له كباية مي)
الوسطى: (للصغرى) اخبطيه على ظهره
المحقق: (وصوته مبحوح) خلص مشي الحال
يعود مسرعا الى كأسه، يجده فارغا، يشير للكبرى بالصب له مجددا)
الكبرى: على راسي (وتصب له كأسا ملآنا)
المحقق: (يشربه بأكمله بسرعة) تشردق بريقه
الثلاثة معا: مين؟
المحقق: المرحوم
تصمت الستات
الكبرى: كمان السعلة يللي بيعاني منها ما بتسهل الشردقة
المحقق: تماما
الوسطى: (للمعاون بكثير من الدلال) وإنتَ شو رأيك؟
المحقق: رأيه من رأيي (وينظر بشذر الى المعاون)
المعاون: أنا بدي السترة... الله يرحمه،
ويعود صوت الموسيقى فيرتفع مجدداً إلى أن يطغي على كل شيء سواه…
ويعود المرح والأحاديث
يخفت الضوء حتى العتمة
النهاية
مسرحية