(مساحتان متقابلتان يفصل بينهما شريط فاصل. في المساحة اليمنى " وولف " يقرأ في احدى الصحف جالسا على كرسي تعلو رأسه صورة لشارلي شابلن وخلفه سريره... في المساحة الثانية شاب من نفس العمر تقريباً، سامي، يقوم بحركات رياضية، يوجد خلفه سرير وبقربه طاولة عليها راديو قديم...)
المشهد الأول
وولف بتعرف إنو مرتي بتغار منّك؟
سامي غشيمة، حدا بيغار من واحد محبوس؟ دخلك وين هالفنجان الشاي؟ (يقوم وولف لتحضيره بينما سامي يخلع ثيابه وينشف جسده مجددا )
وولف (ينظر بإعجاب إلى عضلات سامي) دايماً بتذكر كيف كنت أول ما وصلت عهالحبس: ضعيف ورفيع كأنك مسلول...
سامي هاي حياة الليل، سهر وشرب ونسوان وابيض عاشكالو
وولف هيئته الحبس مناسبك اكثر من بحر عكا..
سامي (لا يرد، ملهي بالاهتمام بنفسه) حبيبي، قولك دايزي رح يطلع بإيدها تطلعني ؟ واعدتني خير هالمرة...
وولف شو بدك فيها، كلامها اكبر من فعلها... مش هي اللي قالتلك انك رح تنحكم سنتين بالكثير ؟ إيه صاروا سبعة! وبعد ادامك عالميتة سبعة تانيين! أنا رأيي رح نطلع تنيناتنا من هون انت عشغلك وانا عالتقاعد...
سامي (ممازحاً) يا واطي
وولف ( بغضب ) ما تطول لسانك
سامي ( ممازحا مرة ثانية) يا واطي!
وولف (بتنهد) عرف الحبيب مقامه فتدلل
سامي عربي و حبيب ؟
وولف ما مبين عليك عربي
سامي عربي ونص، شوف شو بدك تعمل...
وولف ولا مبين عليك زعور دايرها كباريهات
سامي اذا ما مصدق، اسأل عني، اسأل عن سامي الملك der König بفيريديريش شتراسه ببرلين
وولف (باستنكار) ما كان فيك تنقي مدينة تانية؟! روما، باريس، زيمبابوي! ضروري برلين؟! شو الله باعتك تتحرق لي قلبي؟
سامي يا عيني على برلين، برلين أم الدنيا، برلين كيف ما مشيت بتلاقي محبين...
وولف (باستنكار) مش مزبوط، ما هيدا رأي الوالد (أبي)...
سامي أبوك حظه عاطل، برلين مدينة الكل، عرب اتراك يوغوسلاف طليان اكراد وغيرهن وغيرهن... كلهن بدهن نسوان، والنسوان ما في اكثر منهن، بدك مين يعرف يجيبهم، ومحسوبك صاحب اول كباريه لغير الالمان، والباقي بتعرفه... الرجال بدهم بنات، والبنات بدهن مخدرات والمخدرات بدهن حماية والحماية بدها قمار والقمار بيجيب مصاري والمصاري بتجيب بنات... وهكذا دواليك!
وولف طيب طالما كان ماشي حالك ببرلين شو الله جابك عإسرائيل ؟!!!
سامي خيي وولف، الشغل اذا ما كبر بيصغر، صار فيه مصاري بفلسطين و...
وولف ( يقاطعه ) باسرائيل!
سامي صار فيه مصاري كثير هون، قلت لحّق حالك يا صبي... بس ما طلعت قد الحمل!
وولف حضرتك انحكمت سبعتا عشر سنة حبس لأنك إرهابي، مش لأنك شقفة عكروت!
سامي بعدك مصدّق اني بزرع قنابل ؟ معقول تصدق هيك تفنيصة؟ تطلع بوجهي منيح، انت صرت تعرفني، انا وجهي وجه اعمال وطنجية ؟
وولف ( محدقاً بوجهه) إرهابي غصباً عنك!
سامي شو بالقوّة؟!
وولف إيه بالقوة! لو ما كنتِ إرهابي، كنت أكيد حاولت تهرب من سبع سنين لليوم،
سامي أكل ومرعى وقلة صنعةـ، وإنتَ لطيف، ماشي الحال خيي وولف، ماشي الحال
وولف كذّاب! في شي براسك !
سامي ما فيه شي براسي غير شغلي، إنتَ يوماً ما إذا بتحبني قد ما أنا بحبك رح تساعدني إرجع عشغلي بالطاووس الأرجواني...
وولف شو حبّك وحبّني، شو هالكلام؟
سامي بحب كون انا واياك...
وولف عم تتمسخر عليّ ! هيدا إثبات إنك إرهابي!
سامي (وقد ضاق خلقه) يي علينا وعلى هالنغمة!!!
وولف (يدور حول سامي متفحصاً إياه بشكوك، بينما سامي يبتسم) انت عم تخطط لشي، هالضحكة مش عاجبتني، ما تكون بدك تنسف السجن ؟
سامي ولك شغّل راسك، واحد مثلي بيروّح حاله؟
وولف ما تكون بدّك تهرب من شي نفق سري مثل أبي بهراديشكو[1]؟ أوعى! إنتَ بتعرف إنه فرصة النجاح ما بتتجاوز الواحد بالألف ! قللي شو فيه براسك!
سامي ليش كل هالقد خايف يا وولف ؟
وولف (يتنهد) خايف لأنو يمكن بيّي جرب يهرب من السجن ويمكن هوّي وعم بيجرب قتل حارس
سامي (يقترب سامي من وولف ويضمه ) وولف ما تخاف، أنا ولا ممكن يوماً ما إؤذيك
وولف (متحرراً بعنف من عبطة سامي) حاج تكون انت اليهودي !
سامي انا يهودي ؟! فشرت !
وولف يهودي ونص! إنتَ بتشبهه أكثر منّي!
سامي روق يا زلمي!
وولف (مستمراً في الصراخ) ما بدي روق! أنا اليهودي مش إنت! ما فيك تاخد لي دوري! ما إلك حق! بدّك تعمل شي ضدي غصباً عنك! ممنوع تفكر بالنسوان والمصاري، بدّي نام، بدّك تعمل شي ضدي غصباً عنك! يا بدّك تكون إرهابي، يا بدك غصباً عنك تجرب تهرب!
سامي وولف حبيبي روق، وحياتك مش محرزة...
وولف (هائجاً وغاضباً) ما بدي روق!! عم بترجاك تعمل شي، عم بوس إجرك هروب، بس إنت واحد عكروت عامل حالك بتحبني وإنت ما بتحبّني! ما بدّك تخدمني هالخدمة!
سامي (بدهشة) شو بدّك ياني إخدمك و موت؟!
وولف إيه موت! موت خلّيني إرتاح بقى ! (ينظر إليه سامي بدهشة شديدة مبحلقاً فيه)
وولف (مستدركاً ملطفاً ما قاله) ما قصدي هيك، قصدي إنو أنا فيني سهّل لك إياها، أنا بقدر إضمن لك تفتح عين تغمض عين تلاقي حالك بره...
سامي (باهتمام) برّه وين ؟! برّه بإسرائيل حتى يرجعوني عالتعذيب ويقتلوني؟ مش رح إخدمك هالخدمة!
وولف لأ! برّه يعني ببرلين!
سامي (ساخراً) إذا أمّنتني واصل شقفة واحدة عبرلين، هلق بهرب! بس دخلك كيف ناوي توصلني لهونيك؟
وولف (مترددا) مش أكيد لازم خبرك...
سامي (باهتمام) عن جد عندك طريقة ولا عم تمزح معي؟
وولف مش عم إمزح معك، بس إذا خبرتك ما بتقول لحدا؟
سامي وعد شرف، خير؟ شو؟
وولف في نفق بيربط هون بهونيك
سامي أكيد عم تحكي عن المجارير...
وولف لأ، مش مجارير! سام مش عم إمزح، عم إحكي جد، في أنفاق سرية ما حدا بيعرفها...
سامي خيي وولف، ما تواخذني، أنا ما بؤمن بهالتفنيصات،
وولف (مصراً على الهمس والوشوشة) هيدا سر ممنوع حدا يعرفه، بس أنا وإياك مثل ولاد عم...
سامي افترض بدي إخدمك وإهرب، شو في ضمانات إنه بوصل سالم عبرلين؟
وولف من جهة يتوصل، أكيد بتوصل، بس المشكل الوحيد إنو المشوار طويل، طويل كثير...
سامي خود وقتك خيّي وولف، بس من هو لوقتها، خود هالمنشفة واعطيني مكتوب المحامية إذا بتريد...
المشهد الثاني:
سلوى فؤاد، شو هيدا فلسطيني وإسرائيلي؟! عمهلك شوي؟ بدك إيانا نعالج القضية الفلسطينية؟! أنا فكّرت إنه عم نحكي عن السجين والسجان بالمطلق، مش عن...
فؤاد مبلى، بالأساس هي بالمطلق، يعني عن علاقة السجان بسجينه، بس، (متردداً) بصراحة، وولف وسامي عم بيحمسوني كثير...
سلوى مين وولف و سامي؟
فؤاد وولف الإسرائيلي المعتر وسامي الفلسطيني العكروت، خلص علقانين براسي، مش عم اقدر إطلع منهم،
سلوى (باستنكار شديد) إسرائيلي معتر وفلسطيني عكروت؟ ولك يا فؤاد شو قصتك؟! ما من رأيي أبداً نفوت هالفوتة... أنا مش محمسة لهيك موضوع،
فؤاد هلق كنتِ محمسة، شو صار؟
سلوى فلسطين وإسرائيل وإرهاب وطوائف، ما بقى يهمّني...
فؤاد ما بقى يهمّك؟ شو هيدا؟ يأس؟ معقول يا ست تكوني يئستِ؟ ما بعرفك هيك
سلوى (بزهق) إيه، يئست... يئست لأنه ما عندي أجوبة!
فؤاد (بأستذة) له له له! المسرح تجربة فريدة من نوعها بتسمح لنا نستكشف مسارات غريبة، وإلا ما نوصل بالنهاية لشي حل يرضينا كلنا، وإذا بس بتحطي إيدك بإيدي مثل ما اتفقنا، بالنص وابالإخراج، أكيد رح نوصل لـ حلّ...
سلوى أنا مش أكيدة، القضية الفلـ...
فؤاد (مقاطعاً) السبب مش القضية، السبب ما عند وقت لشغلنا!
سلوى: ما إلك حق تحكيني هيك!
فؤاد (دون أن يرد عايها) تفضلي، جايب لك مسودة مشهد جديد أنا أكيد إنو رح يعجبك
سلوى (بغضب) شو قصدك "ما عندي وقت لشغلنا"؟! ومين للي بعت لك دراسة شخصيات السجين والسجان؟ وكيف يعني بتخلص المشهد الأول كله بدون ما تردّ عهالدراسة، وجاي تقول ما عندي وقت للشغل؟!!!؟
فؤاد شو بدي رد عالداراسة؟ ما أكيد عجبتني كتير، وأخذتها كلها بعين الاعتبار بالمشهد للي بين إيديكِ...
سلوى اسم الله عليك شو سريع، نيالك، يا ريت أنا مثلك... كل شي عندك هيّن...
فؤاد مش صحيح. أنا تعذبت تكتبت هالكم مشهد...
سلوى (مبتمسة) إذا تعذبت وهلقد سريع، صاروا كم مشهد، كيف إذا ما تعذبت؟
فؤاد عن جد هلق، شو رأيك بالمشهد الأول؟
سلوى كويس، بس بدو شوية تشحيل وشدودة...
فؤاد (بخيبة) ما عندي مانع، (ثم بعد برهة) بس ليش؟
سلوى حتى يضل في توازن بينه وبين المشاهد للي جايي وراه، مش لازم يكون كثير طويل...
فؤاد معك حق،
سلوى يعني ببلش أنا شحّل وشدود؟
فؤاد (على مضض) بلّشي... (يصمت بينما هي تطلع على الأوراق، ثم بعد قليل) ما تشحلّي كثير... ما تشيلي من هالمناخ الساحر للي عم يدور براسي، حاسس حالي عم فيض بالأفكار الخلاقة على هالأوراق، عشرات التابلوهات عم تبرم برأسي، تابلوه ورا تابلوه، مع مؤثرات صوتية وضوئية وطلوع ونزول وشي بيغط وشي بيزقزق......
سلوى شيل المزج عجنب، لازم نتفق على آلية الشغل أحسن ما نختلف مثل كل مرة...
فؤاد للي بدك اياه، طالما قبلانه إنو في تمرين الأسبوع الجاي، يللا خلّينا نكفي وياش ياوش عالتشحيل...
المشهد الثالث: محاولة الفرار
(سامي جالس على كرسي في زنزانته واضعا منشفة على صدره، في حين يقف وولف بقربه يحلق له ذقنه... )
سامي ليك، شو اخبار العيلة ؟
وولف على حالها، مرتي ما عم بتفهم ليش بدي ضلّني معك ونام عطول بالحبس، بعدها مصرة اني لازم نام بالبيت،
سامي (مغيرا الحديث) وولف، انت مقتنع باني بريء ؟
وولف (لا يرد، ينهي حلاقة ذقن سامي ويضع له كولونيا دون أن يجيب ) نعيما،
سامي الله ينعم عليك،
(يجلس وولف على الكرسي في حين يقف سامي ويبدأ بحلاقة ذقن وولف )
وولف انا مأمنلك يا سامي،
سامي ( وهو يضع الصابون ) شو خايف مني ؟ ما كل يومين بقشلك ذقنك،
وولف ما بعرف ليه أوقات بخاف ! واوقات كثيرة بسأل حالي، ليش ما بتحاول تهرب ؟
سامي سألتني هالسؤال الف مرة وجاوبتك الفين مرة، انا مرتاح بوضعي هون، ( يبدأ سامي بسن الموس)
وولف إذا أنتَ مظلوم مثل ما دايما بتقول، لازم بقى تجرّب تهرب،
سامي والله بها القصة قلتلك ما فيني اخدمك،( سامي يبدأ بقش ذقن وولف )
وولف آخ، جرحتني،
سامي ( مرتبكا ) مش قصدي،
وولف بعرف، بس انتبه!، عندك شبة ؟
سامي لأ ( وولف يخرج مالا من جيبه ويعطيه اياه قائلا )
وولف روح جيب شبة من برة،
سامي بلا هالمخاطرة، مش محرزة ! مش كل مرة رح انفذ فيها،
وولف ( يسلمه مفاتيح ) ما في حدا بره، اليوم سبت، والكل مفرصين، وأصلاً نايمين على حرير، بيعرفوا انو ما في حدا ييسترجي يهرب، (مسترسلا) يا ريتك بتهرب، (بيأس) بس انا عارف انك ما رح تعملها...
( يخرج سامي من الزنزانة في حين يبقى وولف في مكانة يحدث نفسه )
وولف انشالله هالمرة يهرب ! هيك بريّحني (مستطردا ) يا رب يهرب ويريحني!
(ثم بعد قليل، وقد ساورته الشكوك) له له له ! كيف بتعمل هيك يا وولف ؟ مجنون انا تأعطيه المفتاح ؟! ليقوم يهرب ! اصحى يهرب ! ( ثم لنفسه ) بعرفو كثير منيح، حافظو عن الغايب، أكيد مش رح يهرب! بس يا ويلك يا وولف اذا هرب !
( يقوم وولف ويدير الراديو ويفتش عن احدى الاذاعات لتذيع اغنية ) عمرو دياب ؟ عمرو دياب ؟ ما فيه عمرو دياب، ولو غنية واحدة، شقفة غنية، سامي بيموت على عمرو دياب، هيك بيسمعها وبينبسط وبيرجع مثل العادة...
( يقفل الراديو ثم يتطلع بساعته باديا عليه القلق ) مبين طول؟ اوعى يكون هرب يا وولف ؟ اذا عملها بيكون اثبت انو فعلا ارهابي، الحكم بالسجن كان بمحلو! انشاء الله ما يهرب، صار شقفة مني! انشاء الله ما يهرب
( يتطلع بالساعة) هيئتو هرب !!! يا ارهابي ! يا فلسطيني ! يا عكروت !
( يدخل سامي حاملا الشبة في يديه ضاحكا )
سامي اجت الشبة.
وولف ( بدهشة ) انت جيت ؟ ( بخيبة ) ليش جيت ؟! ( ثم يفرح ) أهلا أهلاً حبيبي ! الحمد لله إنك جيت! (يتعجب سامي من تناقض كلام وولف ثم يذهب امام المرآة ليصلح زينته، بينما يدير وولف ظهره له وينسق الزهور في اناء امامه)
وولف هاي أول مرّة بشوف محامية بتبعت ورد لموكلها بالحبس...
سامي (وهو يتطلع بالمرآة ) انا شاعر بحالي اليوم انسان جديد، عندي أمل كبير أنها رح يطلع بإيدها تجيب قرار الإفراج عني...
وولف كان فيك تنقي محامي عربي، بيفهم عليك وبتفهم عليه ، ليش اخترت دايزي بالذات؟
سامي حل عني وولف، بشرفك! (يعود إلى موضوعه) قولك بيطلع بإيدها تفرج عني ؟
وولف يمكن...
سامي يعني برأيك انا بريء والا لأ ؟
وولف بصراحة، ما عندي جواب،
سامي انت بتصدّق اني زرعت قنبلة بكباريه ؟
وولف بصراحة، ما بعرف،
سامي إيه حل عني!
وولف (مستطرداً) كوني بحبك معناها انك رجل بريء، لأنه مش معقول أنا حب واحد ارهابي
سامي (مستمراً بهندسة شبابه أمام المرآة، ببرادة) يعني أنا بريء.
وولف مش أكيد، لأنه المنطق بيقول انك كعربي لازم تعمل شي ضد اللي عم نعمله فيكن، يعني إرهابي
سامي بس انت بتعرفني، أنا خويف، جبان، ما بيطلع مني شي...
وولف وإذا خويف وجبان؟ ما في: يا إرهابي، يا مظلوم ولازم تهرب!
سامي (بلا مبالاة) حاج بقى تحمسني عالهرب! حاجي تعذب حالك، مش رح إقبل معك،
وولف انت قصدك تنكيني، انا بعرفك، بدك تبقى بالحبس حتى تضمك تخليني حاسس بالذنب تجاهك، انت بتحب تكون ضحية، انت عقلك عقل يهودي
سامي (ينتهي من ارتداء ملابسه، يكرر) مش رح إهرب حاج تعذب حالك
وولف سامي، لازم تواجه مصيرك مثل ما واجهه أبي، لازم تكون رجل عظيم، لازم تهرب مثل ما هو هرب من اوشفتيز..
سامي صرت سامعها هالقصة مليون مرة، وبعدين؟!
وولف هون العظمة، هون القوة، انك تواجه الظلم كأنك عم تواجه القدر، وانك تفضح الظلم والعدوان، تفضحني على حقيقتي، تخليّني اتواجه مع شبح بيّي حتى ما تخلِّي عيني تشوف النوم !
سامي ايه وبعدين ؟ يمكن بدّك إياني موت أنا وعم جرّب إهرب... وبعدين إنتَ ضامن إنه فيك تطلّعني من هون عكباريه الطاووس دغري؟ اشتقت للشغل!
وولف انت واحد واطي قواد ما بتستاهل حتى تكون سجين !
سامي كتير منيح ! يعني مش إرهابي ! ايه تفضَّل طلِّعني من هون،
وولف إنت مش بريء لأنك ما بدَّك تكون بريء ! إنت عم تعمل هيك قصدا، نكاية فيّ! حتى ما تخلّيني نام بالليل ! إنتَ رافض تكون بريء، يعني أكيد إرهابي !
سامي ( يربت على كتفه ويدفعه نحو الخارج ) خيّي وولف، فوت نام، هيئتك كثير تعبان، صرت عم تطهوج،
وولف ( مستمرا بهستيريا ) سامي، ما تجرب تستعطفني، أنا صحيح بحبك، بس بحبك لما بتكون إنت الإرهابي مش أنا، منشان هيك لحد هون وبس !
سامي وولف فوت نام حبيبي، كرمالي،
وولف ( مستمرا مستفرا بشدة ) بعد كلمة وحدة بس والله يعينك !
سامي ( بلا مبالاة ) ما بدّك تنام ما تنام، بس ما تهدّدني بالبارودي ( يزيحها بقفا يده)!
وولف ( واضعا البندقية على رأس سامي ) إخرس !
سامي وولف خلصنا بقى، حاج حركات !
وولف سد بوزك ! إركع عالأرض ! بعد كلمة وحدة بس وبعملك شهيد القضيّة ! برتاح وبريّح !
سامي ( غير مصدّق، بدهشة شديدة ) وولف ؟! ولو يا وولف ؟!
وولف ( مرتعدا ) بدّي بقى أخلص منك ومن عذابي !
سامي (البندقية على رأسه) وولف هيدا أنا، سامي ما غيرو، اتطلع فيّ منيح، حط عيونك بعيوني واتذكر أنا مين قبل ما تقوِّص! ( ينظر وولف في عيون سامي ويبحلق فيها مرعوباً، يحدق به سامي بثقة ثم رويداً رويداً يزيح البندقية عن رأسه، يعبط وولف بحنان) خيي وولف، مشّي معي، أنا عندي إلك حل بريّحك وبيريّحني، قوم مشّي تقلّك...
وولف (مستسلماً) لوين؟
سامي هلق بتشوف...
(ويخرجان معاً من باب الزنزانة)
المشهد الرابع
سلوى وبعدين إنت وولف وسامي؟ حلاقة ذقن، وشي مسلم شي يهودي، وبعدين؟؟ ما هيك كنا بدنا نقول! ما في إلا بتجيب مشهد ورا مشهد، ومش معروف وين البداية ولا وين النهاية!
فؤاد ليش بتصعّبي الأمورهيك؟! ليش معقدتيها هالقد؟ مش شايفة كيف شخصية وولف عم تتبلور منيح، وسامي عم ينفهم عذابه أكثر من مشهد لمشهد؟
سلوى بحب ذكّرك إنه نحن اتفقنا فكرة السجان والسجين، مش على الحلاقة والهرب والله وأعلم شو بعد في كمان؟ ما في حل، لازم نغيّر، لازم تقبل بالتغيير
فؤاد شو بدّك تغيّري؟
سلوى كل شي.
فؤاد (برعب) كل شي؟ ما إلك حق!
سلوى بمزح معك إنو بدي غيّر كل شي،، ولو، ما بقى تلقى مزحة؟
فؤاد رعبتيني!
سلوى (تضحك ثم تقول) عن جد، الفلسطيني مش لازم يكون عندو كباريه، لا ببرلين ولا بغير برلين، هيدا لا بيخدم القضية ولا للي بدنا نقوله...
فؤاد هيدا عمل إبداعي مسرحي، مش تحليل سياسي، ليش عم تربّطي حالك هيك بالواقع؟ لازم تتحري منه وتتركي لعقلك حق الجنون...
سلوى ما لقيت تحررنا من الواقع إلا على حساب القضية؟ ما بدي الطاووس الأرجواني لا كباريه ولا عنوان المسرحية!
فؤاد شو بدك تنسفي العمل من أبو أساسه؟!!!
سلوى الشخصيات شوي كاريكاتورية،
فؤاد لازم يكون في شوية فكاهة بالنص، هيدا من مكونات أي عمل ناجح، برتولد بريشت قال...
سلوى (تقاطعه) بعرف شو قال برتولد بريشت! بس في فرق بين السخرية والتهريج !(يطرق فؤاد صامتاً، لا يروق له ما تقوله، تعطيه سلوى أوراقاً) هيدا مشهد مونولوغ سامي فكرت فيه وكتبته مبارح، اعطيني رأيك فيه...
فؤاد مونولوغ؟! ما في مونولوغ لسامي! شو هالاختراع؟ بدّك تزهقي العالم؟ (بأستذة) بدّك حركة على المسرح، بدّك جنون، بدّك تفاجئي الناس كل الوقت بشي مش متوقعينه، بدّك...
سلوى (تقاطعه) إيه بس إذا مشينا هيك، مشهد ورا مشهد، منكون بدنا نقول شي، منصير عم نقول شي تاني!
فؤاد (بتأفف ومتنهداً) بدّك للصراحة، وولف وسامي هالكيني، والله العظيم بيطلعوا لي بالمنام وبيصيروا يصرخواً: حلّها! حلّها!
سلوى أوكي رح منحلّها، بس طوّل بالك شوي عليّ، بدي وقت لتتخمر الأمور براسي!
فؤاد وقت؟! قديه وقت يعني؟! ما الشباب ناطرين بالمسرح... بلّشوا التمارين...
فجأة، يدخل سامي بثياب سجين وولف بثياب جندي اسرائيلي صارخين:
وولف وسامي معاً: يللا ولاه! يللا إنت وإياها! حاج بقى طق حنك! قوموا مشوا قدامنا اشوف!
فؤاد شو في؟ شو القصة؟ مين الشباب؟
سلوى مين هول؟
وولف ولو ما عرفتوني؟ أنا وولف، وولف ايبرمان، عريف بالجيش الاسرائيلي (رافعاً بندقيته عليهما ومستنفراً استنفاراً شديداً)
سلوى وولف؟! فؤاد شو القصة ؟ عم تمزع معي باعت لي اثنين ممثلين يلعبوا عليّ؟
فؤاد إنتِ للي عاملي فيّي الضرب وباعتيهم حتى تتسلّي فيّي!
سلوى (متوجهة لسامي) حضرتك أكيد سامي der König(الملك) مش هيك ؟ (عندها يفقع فؤاد بالضحك)
سامي اخرسي ولي! بدّك تغيري لي تاريخي وجايي تحكي معي؟!
فؤاد ( هامسا لسلوى) أنا سكران وهيدا مشهد إنتِ كتبتيه بدون ما تسأليني رأيي؟؟
سلوى لا والله!
وولف (بعنف) قال لكم سامي اخرسوا يعني اخرسوا!! بتجاوبوا بس لما نحن منطرح عليكم سؤال، فهمتوا؟! (ويحاول بعدها رفع فؤاد وسلوى عن الكرسي لكربجتهما)
فؤاد (بينما يحاول وولف جره إلى الخارج) كلمة على رواق يا شباب، ، أكيد في غلط، شو بدكم؟ مين بدك؟
وولف (يقاطعهما بحدة) استاذ فؤاد الكاتب المسرحي والا انا غلطان؟
فؤاد ( لوولف ) أنا أكيد بعرفك لأني أنا للي كتبتك، بس إنت منين بتعرفني ؟!
وولف بما إنّك إنت للي كتبتني، تفضل خلصني منك ومنها! خلصونا بقى اثنيانتكم من هالعذاب!
(في هذه الاثناء تتسلل يد سلوى الى جزدانها لتتصل بالخليوي فيصيح بها وولف ) ايدك عن التلفون ولي! (تذعر سلوى وتسحب يدها وينتزع ولف التلفون منها ) بمين بدك تتصلي ؟! بالبوليس؟
سلوى (بغضب) إيه، بدي اتصل بالبوليس! هالمزحة مش عاجبتني !
وولف بالبوليس ولي ! هلق بفرجيكِ! (يحاول جرها من شعرها إلى الخارج)
سلوى (محاولة التفلت منه) خلص بقى كلكم سوا! وقّفوا هالتمثيلية، (لفؤاد) خلينا نكفي غدانا وقول لهم كل واحد يرجع عبيته!
سامي (لسلوى وباستنكار شديد) بدّك تغيري لي تاريخي، وكمان بدك ترجعيني عالحبس؟! ولي مين مفكرة حالِك؟ (وولف يجرها من جديد)
فؤاد (يصرخ بالجميع) له له له! روقوا يا شباب! وولف دخيلك روق! سامي حاكيه روقوه، رح بتروح المرا بين إيديه!
سلوى (تصرخ بالجميع ) خلص! ما بقى فيه مسرحية! خلص الشغل! لا بدنا ممثلين ولا كتّاب ولا مخرجين! تفضلوا كل واحد عبيته! (وبينما هي تكشّهم، يرفع وولف الكلاشينكوف على رأسها ويصرخ فيها)
وولف اخرسي ولي ! هيدي مش مسرحية! هلّق بلّش الشغل ! (تحاول مقاومته وإزاحة سلاحه عن راسها فيخرطشه ويصرخ) إركعي ولي!
فؤاد ( يركض نحوهما) روقوا شباب دخيلكم! ما في ضرورة للزعل. (يقترب من وولف الذي لم يزل شاهراً سلاحه على رأسها) أستاذ وولف، الست ما عندها مشكلة معك، يمكن عندها مشكلة صغيرة مع سامي، ما بتحب إنو يكون صاحب كباريه الطاووس...
سلوى (مرعوبة لكنها تتجرأ مجدداً) فؤاد! مبيّن عم تفوت معهم باللعبة؟
فؤاد عم جرّب خلصك منه!
سلوى ما بقى بدّي كل هالقصة، ما بدي اشتغل معك، ما فيني إتحمل هالوضع، لا تواخذني، أنا بانسحب يا شباب، أنا ما دخلني بشي، انسحبت! خلوني فل عبيتي.
وولف: إخرسي! ! !
سامي (مقترباً منها رويداً رويداً) ليش ما بتحبيني يا ست، فيني إفهم؟ شو عاملك أنا؟ فيكي تشرحي لي؟ وولف، زيح هالبارودة شوي خليها تقدر تحكي...(وولف يزيح البارودة)
سلوى ما بدي إحكي مع حدا! أنا بره !
سامي ما بدّك تحكي؟ هلق منفرجيكي كيف راح تصيري تحكي بلبل...
سلوى (باستنجاد) فؤاد، شو عم بيصير؟
فؤاد ما بعرف!
سلوى أنا ضعت!
فؤاد وأنا كمان! بس طولي بالك عليّ شوي، رح جرّب إتفاهم معهم... (لسامي وولف)
سلوى تتفاهم معهم؟ يا أنا مجنونة يا إنت! مين هالإثنين المهابيل للي جايين يتحكموا فينا؟
سامي (لوولف) هيئتهم ما بدهم يفهموا! خيي وولف، صار فيك تتصرف...
( وولف يهجم عليهما بلمح البصر ويكربجهما ويقول بصوت جهوري)
وولف يللا معنا عالزنزانة اثنيناتكم! يللا ولاه إنتَ واياها، قدامي لشوف!
المشهد الخامس: الجميع في الزنزانة
(وولف يدفع بفؤاد وسلوى إلى داخل زنزانة سامي، ثم يذهب إاى كرسيه ليحرسهم، سامي يتنزه يلف سيجارة ويحوم حولهما...)
فؤاد (وهو يتفادى دفشات وولف) فيكم بس تشرحون لنا شو المطلوب؟
وولف ( للجميع ) لازم كل الناس تحب سامي! مسرحية أو مش مسرحية، بدكم كلكم تحبوه!
سامي ممنونك خيّي وولف! بس الموضوع مش هون، الموضوع أخطر من هيك بكتير...
سلوى خير انشالله؟ كيف فينا نخدمك؟
سامي بدنا نخلص، بدنا منكن تحلوها بهاالمسرحية وتلاقوا لنا شي طريقة نتفاهم فيها مع بعض،
فؤاد شو يعني تتفاهموا مع بعض؟
سامي يعني بدنا السلام.
فؤاد السلام؟ شو يعني بدكم السلام؟
سامي وولف معاً: يعني بدنا نروق عبعض، بدنا نتصالح..
فؤاد (مقاطعاً) تتصالحوا؟؟! مستحيل! ما في صلح بيننا وبين العدو الإسرائيلي
وولف ( لفؤاد ) ليه مستحيل ولاه ؟ (يعود فيخرطش عليه)
سلوى ( لفؤاد ) فؤاد خليه يحكي، بركي منفهم شو بدهم منا
فؤاد بها الموضوع ما في حكي: صلح مع إسرائيل ما في!
سامي (مقترباً من فؤاد ومهدداً بإصبعه) بدنا السلام وبدكم تصالحونا غصباً عنكم!
فؤاد مستحيل! انتو بتعرفوا شو عم تطلبوا منّا ؟ فيه دم ومجازر بيناتكن،
سامي بيني وبين وولف ما في شي،
سلوى عمهلك، يمكن في فرق بين السلم والصلح...
فؤاد أبداً، فيه قضية حق بالدق، الفلسطينين اغتصبت حقوقهن وحياتهن وارزاقهن،
وولف بس انا وسامي خلص تعبنا، ومتفاهمين مع بعض، وبدنا نتجاوز كل هالقصص،
سلوى (تهمس له) فؤاد، فؤاد... خلّيني إحكي كلمة...
فؤاد (لا يرد عليها) مع كل اللي صار بين الفلسطينين والاسرائيليّ جايين تقولوا بدكم تتجاوزوه ؟ شو بتعملوا بالتاريخ؟(بأستذة) إذا ما بتاخذ التاريخ بعين الاعتبار، بيرجع بيطلعلك بمجازره!
سامي (بسخرية) دخلك، أي تاريخ منهم؟ تاريخي أنا ولا تاريخه هوي؟ (مشيراً إلى وولف)
فؤاد هو تاريخه برّة، ما بيخصنا فيه!
وولف شو برة ولاه؟! وين برة؟! مين قال برّة؟ أنا تاريخي هون! وتاريخ جدودي هون! ما فيك تمحيلي تاريخي هيك بشحطة قلم!
فؤاد مش أنا للي عم إمحيه، هيدي عجلة التاريخ!
سامي طيب ليك، شو رأيك إذا قلت لك إنه عجلة التاريخ أثبتت إنه ما في نزاع بالدنيا ما انتهى بتسوية، وما في حرب ما خلصت بشي صلح، حتى الحروب الصليبية انتهت، وحرب المئة سنة بقيت مية سنة بس بالأخير انتهت...
سلوى مزبوط
سامي طيّب إذا مزبوط، ليش ما حضرتَك وحضرتِك بتختصروا الطريق وبتوصلونا دغري عالسلم وبتوفروا علينا وعلى شعوب المنطقة كل هالقهر وهالعذاب؟ ليش عجلة التاريخ ما بتبرم شي مرة لمصلحتي أنا؟
فؤاد (بالفصحى) لأن ذلك مخالف لقواعد التاريخ!
سامي ولك زهقتني إنتَ والتاريخ! يا خيي أنا حرّ، وعم خبرك إنو تاريخي أنا، استغنيت عنه، إلك عليّ شي؟
فؤاد صحيح إنك قواد!
وولف حسّن ألفاظك ولاه!
سلوى فؤاد، يمكن للي عم يجربوا يقولنا إياه إنو ما في تاريخ واحد للصنف البشري، في قصص وحكايات ما بتخلص لكل إنسان حي على وجه الأرض، هيك قال الفيلسوف كارل بوبر...
سامي بلا فلسفة الله يرضى عليكِ!
فؤاد لا للصلح، لأن التاريخ سوف يكرر نفسه!
وولف مش التاريخ للي عم بيكرّر نفسه، هول المؤرخين للي عم يكرروا قصص بعضهم! (لسامي)
كيف لقيتِ لي هالجملة الاعتراضية؟
سامي إنتَ كمان بلا فلسفة الله يرضي عليك! (لفؤاد وسامي مهدداً باصبعه) اسمعوني منيح إنتَ واياها: مش مهم التاريخ! المهم اليوم! المهم هلق بهيدي اللحظة كيف بدي عيش أنا وهالزلمة (مشيراً بيده إلى وولف) ! المهم بكرة وين بدي كون أنا واياه!
سلوى ( هامسة ) فؤاد، خليني احكي كلمتين، يمكن لازم نفكر فيها...
فؤاد مستحيل! أصلاً إنتِ للي بتخافي من رأي الناس بهيك موضوع، مش أنا، شو مبيّن هلق بطّلتِ خايفة؟
سلوى هيدا المجاهد الفلسطيني تبعك للي عم يترجاك، مش أنا!
وولف مجاهد فلسطيني ؟؟!انتبهي لألفاظك وليه! وإنتَ ما تجرب تلعب علينا عالحبلين!
سلوى (مترجية، لفؤاد ) فؤاد يصطفلوا، يعملوا للي بدهم اياه وخلينا نخلص... دخيلك! اقبل بشو ما بدهم، بدنا نطلع من هون ونروح عبيوتنا!
فؤاد هلق صار يصطفلوا؟! أنا ما بتخليني اصطفل لاحقتيني عالنقطة، وهني معليش يصطفلوا؟! على كل حال، القصة قصة مبدأ، مش قصة مسرح.
سامي مسرح أو مش مسرح، مش فارقة معنا! شيلوا إيديكم عنا، ونحن منعمل للي بدنا إياه!
سلوى (بيأس) بطّلت عم إفهم شي... ( ثم تطرق براسها متعبة، وتسكت)
سامي عم تفهموني منيح وللا بدي ضلّني عيدها؟ طلعة من هون ما في إلا ما تحلوها، بدنا السلم!
فؤاد صلح ما في!
سامي شو ست سلوى، مبيّن خرستي؟ حضرتك شريكة ولا ما شريكة، فهمينا؟ إحكي لك شي كلمة!
سلوى (لفؤاد) بركي قصدهم السلم مش الصلح؟ فتّح دينيك (أذنيك) واسمعهم شوي، بركي منطلع من هالورطة...
سامي ما في فرق، صلح ما في!
سلوى خلص تعبت! ما بقى فارقة معي، حلوا كلكم عنّي (وتقوم كأنها تهم بالخروج)
فؤاد هيدا اسمه تخاذل! تراجع! خيانة!
سلوى ميت مرة جبانة ولا مرة الله يرحمها!
سامي هون أنا موافق معك
وولف ممنوع تتخانقوا! تفضلوا اتفقوا وريحونا بقى!
فؤاد ما بقى حدا يحكي معي كلمة!
سلوى (بترجي، للجميع) بليز، والله العظيم هلكت!
وولف (يصرخ) خلصوني من طق الحنك ومن النق! مش عم بقدر نام! إلي سنين وسنين مش عم بقدر نام! تفضلوا حلوها وخلصوني بدّي نااااااااااااااااام! (شاهراً سلاحه)؟
سامي (يصرخ ايضا في وجههما ايضاً) وأنا؟ مش حرام سبع سنين من شبابي بزنزانة سودا، وناطرني سبعة غيرهم، وحضرتكم نازلين طرق بقناني النبيذ؟ والله مش أنا العكروت، إنتو العكاريت!
سلوى (تتأفف وقد ضاقت ذرعاً بالجميع) أوففففففف! (تهب واقفة بتحد كبير لكل واحد) سامي، مين قال إنك عكروت؟ مين قال أصلاً إنه اسمك سامي؟ فيك تغيّر للي بدّك أياه، اسمك، اسم عايلتك، تاريخك، مستقبلك ما حدا سائل، ما حدا فرقانه معه!
سامي (خلال هبّة سلوى، ممازحاً) أنا مبسوط إنّي قواد، و في إلك شغل عندي إذا بتحبّي...
سلوى ( لم تسمع، مستمرة في توجيه كلامها لفؤاد ) وإنتَ استاذ فؤاد، ليش معبّش بالكتابة ؟ روح عمول محامي، بهلوان، بطل سباحة، دكتور نسائي... وخلصنا من هالشغلة! وإنتَ يا وولف، حاجتك من وزن هالرصاص والسلاح الثقيل عـ جسمك، روح نام لك شوي... منظرك بيوجع القلب...
وولف (منتحباً) مش عم بقدر نام! فريتز إيبرمان مش عم بيخليني نام! (ثم كأن الفكرة لمعت برأسه) اقتلوني وريحوني بقى! لازم تقتلوني! لازم تتحدوا وتقتلوني هلق وخلص وبتخلص القصة وخلصنا بقى !
فؤاد (وقد تنشط فجأة وانتصب داخل الزنزانة) أبداً! بدّك إيانا نقتلك تـ نريّح المتفرج العربي؟؟؟! بدّك ياني أنا خللّي العربان ينتصروا ويضهروا من هون مبسوطين ويروحوا يناموا عـ مخدة من حرير؟!!! فشرت!
سلوى أي جمهور وأي عربان ؟!!! فؤاد إصحى بقى! لا في جمهور ولا في عربان ولا فيه مسرحية، في نحن بهالحبس وما الهيئة طالعين منو بكره! اقتله وخلصنا بقى!
فؤاد مستحيل!
سامي (يلف سيجارة كأنه غير مبالٍ بالجميع) إنتو شاطرين بس تقبروا بعضكم، أكتر من هيك ما بيطلع منكم شي...
وولف إذا ما بدّكم تموّتوني ولا عارفين كيف بدّكم تنهوها، مصيبة! مصيبة كبيرة!
سلوى كل الحق عفؤاد! ما بيعمل إلا براسه! وبالأخير من صير كلنا بورطة! (فجأة) لّيكو شباب، شو رأيكم تقتلوا فؤاد؟ بترتاحوا وبتريحوا!
وولف (مقترباً من فؤاد، يتأمله من فوق لتحت) إنتِ هيك رأيك ست سلوى؟ (لوهلة يبدو على فؤاد الذعر الشديد)
سلوى إيه، هيك رأيي...
فؤاد ولو يا سلوى؟ هيك بتبيعيني بكلمة؟ (لسلوى، بلهجة شكسبيرية) الموت أهون من عذاب الخيانة!
سلوى (متهالكة) بدي إخلص!
فؤاد (لسامي) سامي، ما عندك شي تقوله قبل ما روح ضحيّة هالمجنون؟ مش أنا للي خلقتك ودافعت عنك وعن تاريخك؟ مش أنا للي شرحت صراعك بين حبّك للحياة وإغراء المقاومة؟ إحكي لك شي كلمة! هيك بدّك إياني موت بهالرخص؟
سامي (لامبالياً) مش مذكر شو لازم قول بهاللحظة!
فؤاد لازم تدافع عنيّ!
سامي ضروري؟
وولف لأ! مش ضروري
سامي (لوولف) أوكي خيي، تفضل تصرّف
وولف (يقترب من فؤاد محاولاً إخراجه من الزنزانة) يللا عالموت ولاه...
فؤاد ( مذعوراً) يعني خلص؟! ! هلق صرت أنا الشهيد؟؟ معقول؟؟؟
وولف (محاولاً الإمساك به لإخراجه بينما يبتعد فؤاد ملتصقاً بجدار الزنزانة) يللا ولاه ما تعذبنا كلنا، صار قريب نخلص!
فؤاد ليش أنا؟ أنا أصلاً ما بنفعك بشي، شقفة كاتب لا بيضر ولا بينفع، هات يحضروا أعمالي هيت ما يحضروها، سلوى هي الأهم بيننا اثنينا، سلوى خلاصة الفكر والإبداع بالعالم العربي، وريثة عصر النهضة بفكرها التحرري العلماني، هي أمل المشرق بالخروج من عصر الظلمات، إذا اخترتها إلها بتكون قتلت حلم الوعي والحرية عند الشعوب العربية، ولو مش شايف؟ فكر فيها!
وولف (مفكراُ متلعثماً،) ست سلوى شو إله نفع موته؟ ما شكله كله إلو عازة... عندِك حل ثاني؟
فؤاد (محاولاً التخلص من قبضة وولف على رقبته) أكيد في حل تاني! شو رأيك تنهيها بقتل سلوى؟
سلوى (بدهشة كبيرة) مش عم صدٌق إنتَ بتحكي هيك!
فؤاد شو بس إنت بتبيعيني؟ أنا ببيع أبوكِ كمان! إنتِ واحدة خاينة، بلا مبادىء، بلا إحساس!
سلوى وإنت واحد مش عرفان حاله وين الله حاطه، بتعرف تبلش بس ما بتعرف بحياتك تخلص!
سامي ( لفؤاد، لامباليا) مثلها مثلك، اثنيناتكم أضرب من بعدكم، اثنيناتكم ما منكم نوى!!
وولف (يصرخ بالجميع)اخرسوا كلكم ولاه! (يوجه سلاحه نحو راس سلوى) تفضلي معي لبرة يا ست
سلوى ليه برة؟ هون منيح. فيك تقوصني هون إذا بدّك. أنا مش طالعة.
وولف ما بدي طرطش الزنزانة بالدم، ما أنا بنام فيها. قومي يللا!! (ويحاول سحبها بعنف من شعرها)
فؤاد شيل إيدك عنها! دخيلك ما تاخذها! (يحاول انتزاعها من بين أيادي وولف، فيدفعه وولف بعنف إلى الوراء، فيقع ارضاً، ينهار) دخيلكم، والله العظيم كنت عم إمزحّ! ما كان قصدي هيك! سلوى، حبيبتي، والله العظيم ما كان بدي إنو نوصل لهون، (لوولف) ابوس إيدَك اتركها، للي بدّك اياه، بس افلتها...
وولف (لفؤاد) يعني رح بتحلوها وتريحونا؟
فؤاد بأمرك، للي بدّك اياه، بس شيل إيدك عن المرا...
سامي إيه وشو الحل بالله؟
فؤاد الحل؟ الحل؟ ما في حل غيره: دولة واحدة تتساوى فيها حقوق جميع المواطنين، إسلام ومسيحية ويهود
سامي أنا قبلان
وولف (لسامي) شو قبلان ؟ كيف يعني قبلان؟ شو يعني دولة واحدة؟ شو اسمها هالدولة؟
سلوى سموها شو ما بدّكم، مش مهم...
وولف أوكي، منسميها اسرائيل
فؤاد مستحيل! اسرائيل دولة صهيونية لا تتساوى فيها حقوق المواطنين، لذلك، سوف يمحيها التاريخ!
وولف فشرت! إسرائيل لن تمحى من الوجود...
فؤاد بل ستمحى من الوجود! (وولف يخرطش مجدداً على فؤاد)
سامي (لوولف، ببرودة وهو يلف سيجارة) روق ما قصده شي... يمكن قصده تبادل أراضي...
وولف (مكرراً بغضب) إسرائيل لن تمحى من الوجود، ولن تبادل أي من أراضيها، لأنني أريد أن أنام كل ليلة بأمن وسلام، في ارض أجدادي،
فؤاد (بسخرية) إيه نام، مين مانعك؟
وولف (يصرخ) مش عم تفهم ولاه؟ مش عد أقدر نام!
سامي رجعنا عنفس النغمة...
سلوى (لفؤاد، ودون خوف من السلاح) فؤاد اتركني أنا رح اتصرف
سامي شو صار وقت بطولاتك ست سلوى؟
سلوى (ملاطفة وولف الذي لم يزل شاهراً سلاحه على الجميع) وولف حبيبي ما حدا حاسس معك وبعذابك غيري، ليش إلك زمان يا قلبي مش عم تنام؟
وولف هيدا أبوي، فريتز إيبرمان،
فؤاد (متهالكاً على الارض) سلوى، (لا ترد، مستمرة في ملاطفة وولف)
سلوى ( لا ترد، بعطف لوولف) ولّوف حبيبي ليش فريتز إيبرمان مش عم يخليك تنام؟ (وولف لا يرد)
فؤاد (يطرق فؤاد رأسه بالارض منهارا انهيارا تاما) سلوى، ما تمشي معهم بهاللعبة!
سلوى ( تشيح بيدها عنه، وتشير لسامي بإسكاته، ثم تكرر بعطف) خبرني، ليش أبوك مش عم يخليك تنام؟
وولف ما بعرف!
فؤاد (يرتجف بشدة) بردان كتير، برد بهالزنزانة، كيف عايشين فيها؟
سامي (يقترب سامي من فؤاد لتهدئته من شدة الارتجاف، ويغطيه بجاكيت، ثم يجيب سلوى) أنا بعرف، أحيانا وولف بينسى ليش مش عم بينام، بس صار حاكي لي هالقصة مليون مرة، من يوم ما اختفي فريتز إيبرمان بهراديشكو وهو بيطلعله لابنه بالمنام، بيطلب منه يثبت له إنه يهودي ويفتش عليه وعلى عظامه، خذ لك مللاّ قصة!
وولف ( يصرخ ) أنا وولف إيبرمان إبن فريتز إيبرمان ! بيّي بطل يهودي اعتقل بـ هراديشكو، ما قدر يتحمل مهانة السجن وعذابه، هرب بالنفق السري تحت أرض المخيم... (يسكت)
سلوى (بعطف أكبر) إيه، وبعدين ؟ (وولف لا يجيب)
سامي (بينما يهدهد لفؤاد كي يغفو) وبعدين.... اختفى!
سلوى (تشير سلوى بيدها لسامي بأن يسكت) شو صار له؟ مات؟ مات بالنفق؟
وولف لأ ما مات! اختفى!
سامي (لوولف) إحكي لهم القصة من الأول، مع إني صرت سامعها مليون مرة، بس معليش، إذا حكيت بترتاح...
وولف (بحزن) ما عندي شي قوله... فريتز إيبرمان اختفى وبس!
سلوى ولك شو يعني اختفى؟؟
وولف (يصرخ) حلّي عنّي! أنا بس بدّي نام! بدّي نااااااااااااااااااام! فريتز إبيرمان، دخيلك خلّيني نام!
فؤاد وأنا هيئتي رح نام... (ويتمدد تحت جاكيت سامي)
سلوى وولف حبيبي، شو رأيك نساعدك حتى تقدر تنام؟
وولف ما حدا بيقدر يساعدني...
سامي ما تجربي، وضعه ميؤوس منّو...
سلوى مبلى، نحن فينا نساعدك، وين قلت لي اختفى فريتز إبيرمان؟
وولف بالنفق!
سلوى شو رأيك نفتش كلنا عن هالنفق، ننزل فيه لحدّ ما نوصل لهراديشكو، ونلاقي فريتز إبيرمان أو عظامه هونيك؟
وولف ( ناظراً إليها مشككاً ) عن جد؟
سلوى (بجدية مطلقة) إيه عن جد! يللا شباب! قوموا! قوموا خلينا نبلّش نفتش عمدخل هالنفق!
فؤاد ما بدي ساعدكم، بفضّل نام... أصلاً شو دخل النفق؟
سامي وأنا مش أفهم، بس كرمال عين وولف، تكرم مرجعيون (وينهض للمساعدة)
سلوى (لفؤاد الذي لم يتحرك ) ولك قوم! قوم خلّصنا! إنتَ حطيتنا بهالورطة، وأنا رح طلعكم منها، قوم حط إيدك معنا.
فؤاد ( دون حركة) شو الله جابرني؟ اتركيني بحالي، بردان... (ويلتحف بالجاكيت، تتركه سلوى وتبدأ بالبحث عن فتحة بالمكان)
وولف (خلال ذلك، يدور وولف على نفسه كالثور الهائج، مهللاً) فريتز إبيرمان! أنا جايي! طوّل بالك ما بقى إلا أوصلّك! جايين كلنا نلاقيك.. أنا جايي! رح نلتقى أخيراً! انطرني ما بقى إلا نوصل!
فؤاد ( وقد وقف مذعوراً من حال وولف) شو صار له؟ ليش عم يبرم عحاله هيك؟
سامي (لفؤاد) قوم أحسن لك، شوف كيف صار لايج، ما بتعرف أيمتى بتطلع الرصاصة
سلوى (وقد وجدت مكاناً ما، تصرخ مشيرة بإصبعها) هون! هون! فيه فتحة بالباطون!! تعوا شوفوا! كأنها بتوصل على شي...
وولف : (يتوقّف فجأة كأنه تذكر شيئاً ينظر إلى سلوى، وإلى الفتحة) لما منلاقيه، منرّجعه معنا عإسرائيل!
سلوى وسامي معاً : (منهمكين في تأمل الفتحة، محاولين فتحها) أوكي! ok
فؤاد (باستنكار شديد) نعــــم؟؟؟ نرجعه معـــنا عإسرائيل؟! أعوذ بالله! هاي ما بتمرق!
سلوى (وقد أمسكت مع سامي بطرفي فتحة الباطون لرفعها) فؤاد إمسك الزاوية الثالثة وحاج تنق!
فؤاد (مقترباً بحذر من وولف المدهوش والمتوتر) خيّي وولف، وإذا ما لقينا أبوك، شو منعمل؟
وولف بقوّصكم كلكم وبقوّص حالي وبرتاح! (يركض فؤاد ويساعد الآخرين في رفع الحجر)
سلوى ( وقد أزاحوا غطاء الباطون، مشيرة إلى الأسفل) هيدا هو الحل! لقيناه! من هون بيبلّش النفق!
سامي (وهو يتأمل القاع ) ولوه شو مشوار طويييييييييييييييل!
فؤاد (هامساً في أذن سلوى) عارفه حالك شو عم تعملي؟ بركي ما في حدا اسمه فريتز إبيرمان، وين منصير؟
سلوى (هامسة) إذا ما في فريتز، منخترع فريتز... بدي شوف آخرتها وين...
(يهمون بالنزول داخل النفق لكن وولف يركض ويصرخ دافعاً الجميع جانباً)
وولف (بالفصحى) لي الشرف بافتتاح مسيرة البحث عن خلاص الشعوب المقهورة... إذا استطعنا العثور على فريتز إبيرمان، البطل الذي لا يزال ينده لنا من دهاليز الأنفاق، حققنا سلماً عظيماً وأنهينا العمل المسرحي وأصبحنا جميعاً أحرارا!
سامي تحيا الحرية!
وولف إلى الأمام يا أصدقائي... إلى الأمام!
فؤاد إلى الأمام، وليذكر التاريخ إني رفضت كل ما يجري باسمي ههنا!
سلوى خلصنا خطابات، يللا انزلوا..
(تنحني الرؤوس فوق الحفرة، ثم تدخل فيها رويداً رويداً حتى يختفي الجميع)
المشهد السادس: الجميع في النفق ووولف يلتقي بشبح ابيه
(يزحف الأربعة متراصّين يزحفون تحت الأرض في أنفاق بلا نهاية، يقعون في حفرة، وما إن يخرجوا منها ويعودوا إلى الزحف، حتى يقعوا في حفرة أخرى)
فؤاد ( شاكيا بينما الجميع يحفر بنشاط ) Please إذكروا انو جيت غصبا عني !
سلوى ( لفؤاد) حاج تنقّ !
سامي قولكم وين صرنا ؟
وولف الارجح قرّبنا نوصل، إلنا زمان كثير عم نزحف
سامي إنتو ضامنين وين رح نطلع ؟ بركي رجعنا طلعنا بإسرائيل؟
سلوى (منكبة على الزحف) وإنت كمان حاج تنقّ !
سامي (وفي إحدى الحفر الكبيرة، يولع قداحة، ويقترب من جدار) قولكم شو مكتوب هون؟
فؤاد (ساخراً) "أبو الريح مر من هنا" أنو رح منموت فطيس من الريحة!
وولف (يدقق بالجدار و يقرأ بالالمانية:) " يا بّنيَّ، الحياة، (لا يستطيع قراءة الباقي)
سامي (للآخرين) اكيد قصده الحياة فجلة !
وولف أكيد لأ ! بيّي مش مثلك مخّو فاضي !
سامي وحياتك فجلة! (يقترب من الجدار ويقرأ)
سامي (بالألماني) فجلة! (بالعربي) فجلة ! (يقفز من الفرح، يضحك في وجه وولف ويقول)
سامي ما قلتلّك ! الحياة فجلة ! حتى بيَّك عم يقول لك هيك! الحياة مش محرزة يا وولف ! حاجي بقى متّعب حالك ومتعبنا معك...
وولف ما في غير الإرهابي بيفكر هيك... ازحف خيّي زحف
فؤاد إلنا إيام وإشهر عم نزحف بهالأنفاق والدهاليز وشكلنا رح منروح فيها قبل ما نطلع منها!
سلوى (بتأفف) ولك حاج تنق! (والكل سائرين)
وولف (بالفصحى) إني أتحمّل كامل مسؤولية وجود الجميع في الأندرغراوند بحثاً عن الحقيقة وأقدر جهودكم لإعادة النوم إلى أجفاني (وقد تبيّن له فجأة إنهم في غرفة بلا مخرج) لازم نرجع نزحف طلوع... (شاهراً بندقيته مجدداً) يللا زحفوا! أسرع! إلا ما يبان أثر بيي!
سامي (يزحف ويثرثر) لا فيه بيّك ولا من يحزنون، الحبس بيخّلي السجّان كمان يطهوج، مش بس أنا... بس أنا طهوجت عالأوّل، وولف ما وقّف من يوم ما عرفته، وكل ماله لورا...
وولف (يزحف) لو ما بحبّك كنت قوصّتك من زمان!
سلوى (لسامي هامسة) سامي... كيف لغتك الألمانية؟
سامي بلبل
سلوى (همساً) سامي، إذا ما في فريتز إبيرمان، لازم ينوجد!
سامي (لم يسمع جيداً) شـــــــــو؟!
سلوى هســــــــــــس! ! وطي صوتك، ما تخلي وولف يسمعنا... سامي، فهمني منيح، لازم يلتقى فريتز إبيرمان....
فؤاد (هامساً) شو عم تتهامسوا؟
سامي أوكي... (يزحفون ويزحفون ويزحفون، ثمّ يقعون مجدّداً في حفرة أخرى، يتهالك الجميع)
فؤاد ما بقى قادر فتّح عينيّي ! (ويغفو)
سلوى ما بقى قادرة حرّك إيدي ( وتغفو فوق فؤاد، وولف جامد كالصنم بلا حراك)
سامي (ناظراً حوله) ما بقى فيه حدا نتسلّى معه؟ (يضع رأسه وينام)
وولف (يتقوقع وولف على نفسه لكنه يبقى ملتصقاً بالآخرين، يتنهد، لنفسه) نيّالهم! كلّهم بيقدروا يناموا إلا أنا!ٍ مستحلي هيك تسهى عيني لو إنو لحظة... (يتحرّك فجأة نور ما في أفق الغرفة، يتلّفت وولف حولهه مذعوراً، يشهر سلاحه، يجد الآخرين نياما) شو هيدا؟! شو في؟! (يقوى الضوء مع صوت جلبة ضعيفة، فيصرخ) مين فيه هون؟؟؟!!! ( يتحرّك الضوء الأبيض مقترباً قليلاً ، بصوت منخفض) مين؟ هيدا إنت؟ (يرى شبحاً أبيضاً يتلألأ مقترباً ببطء منه، بابا، إنت هون؟؟؟!
الصوت (بعد برهة صمت، صوت رجل يغني بالألمانية، يستمع وولف مشدوهاً )
وولف شو حلوة هالغنيّة للي عم تغنيها... قديمة... ما بتذكّر منين بعرفها... (يعاود الإستماع بلذّة) يا لطيف ما أحلاها... (يترنّم قليلاً مع اللحن بصوت منخفض، ثم يتلفّت بحثاً عن سامي في العتمة، ثم مستمراً التحديق بالضوء يقول متلهفاً) سامي قوم سمعه عم يغنّي... هيدا فريتز إيبرمان عم يغني لي... هيدا بابا... قوم سماع... (تنتهي أغنية الصوت فيطأطىء وولف رأسه حزيناً)... بابا... اشتقت لك...
الصوت : بعرف يا إبني بعرف... (صمت)
وولف: (بحزن) أرض الميعاد منها ميعاد...
الصوت : بعرف يا إبني بعرف...
وولف إحكي بعد... (صمت) الله يخلّيك! صوتك كأنّي بعرفه من زمـــــــــان... (صمت) حاسس كأني عمري آلاف السنين وإنت عمرك آلاف السنين... حاسس كأنه صوتي وصوتك هو صوت واحد... صوت جدّنا ابراهيم...
الصوت : بعرف يا إبني بعرف... (صمت)
وولف بابا، ليش جدّي ابراهيم ترك أرض أور وإجا عأرض كنعان؟
الصوت : (بتفس اللهجة) ما بعرف يا إبني ما بعرف...
وولف (يعاود وولف التحديق بالضوء في حين يدندن الصوت باللحن) بابا، وين رحت؟ وين بدّك تروح هلأ؟ ليش بدائماً بدك تروح؟
الصوت : (ببطء شديد مبالغ فيه) بدّي روح فتّش عأرض بتشبهني...
وولف (يترجاه) تعا معي عـ إسرائيل...
الصوت : (كأنه لم يسمع) بالبلاد للي عشت فيها، كانوا يحتقروني، يعاملوني متل الكلب الجربان لأني ما بشبه هم...
وولف (يبكي) معك حق! بس الله يخلّيك تعا معي...
فؤاد (لسلوى هامساً) شو مبيّن قلبناها مناحة؟!
سلوى ( هامسة) هســـــــــس!!
وولف: (للضوء، مكفكفاً دموعه) بيّي، إذا مش قادر تجي معي، طيّب خدني معك...
الصوت: (همس) شو بدّكم إيّاني جاوبه؟؟؟!!!
سلوى (همس) للي بدّك إيّاه! بس خلّصنا!
وولف (للضوء) بابا، ليش مش عم تجاوبني؟ (لا جواب، فيرفع وولف صوته) فريتز إبيرمان، الله يخليك، إذا ما بدّك ترجع معي، طيب خدني معك، الله يخليك!
الصوت : (بالفصحى بصوت رصين) يا بنيّ، على كل إنسان أن يواجه مصيره...
وولف (للضوء، بصوت طفولي) شو يعني؟ إيه ولا لأ؟ (لا جواب، فيرفع صوته مجدّداً)
الصوت : (همس) حلّوا عنّي ! ما إلي قلب قطّع له قلبه! دبّروا حالكم بلايي!
(يضعف الضوء رويداً رويداً إلى أن يختفي)
وولف بابا، عمهلك... ما تروح... وين رحت؟ (يبحث عن الضوء في الظلام، يصرخ:) بابا رجاع... معليه ما تخدني معك، بس رجاع... حاكيني بعد شوي... (ينتظر عودة الضوء بلا جدوى، فيهب فجأة موقظاً الجميع بصراخه) يللا! قوموا! حاجتكم نوم! قوموا عالزحف! لازم نضلنا نزحف لحد ما نلاقيه! يللا! يللا! قوموا كلكم لشوف!
المشهد السابع: في باحة هراديشكو
خشبة المسرح فارغة، ديكور باحة معتقل واسع ضمنه اسلاك شائكة وأعلام غريبة غير معروفة معلقة على جدار كبير يقسم باحة المعتقل، ويبدو برج مراقبة فيه رأس جندي (دمية)، موسيقى عسكرية ومن حين إلى آخر اصوات تتحدث بلغة غامضة كأنها لغات مختلطة ببعضها، تتجول البروجيكتورات في ارجاء الباحة، في حيت تصل الأصوات من الحفرة...
صوت سلوى اديش صرلنا عم نزحف تحت الارض ؟
صوت فؤاد ما عدت حاسس بالزمن
(صوت في المكبرات يتحدث بلغة غير مفهومة)
صوت سلوى شو عم يقول ؟
صوت سامي (مازحاً) عم يقول انو كل واحد لازم يرجع عزنزانته ،
صوت فؤاد (لسامي) طلّ راسك وقول لنا شو شايف
سامي (يخرج رأس سامي من فتحة في أرض الخشبة، يجيل نظره في المحيط) ما فيه أثر لدومري...
صوت وولف ( يطل رأسه لوهلة ليلقي نظرة سريعة ثم يختفي طيب مين للي عم يحكي بالمكبرّات؟
(يسمع الصوت مجدداً من مكبر الصوت ينادي باللغة غير المفهومة)
سامي ما بعرف شو هاللغة، مش عم بتبيّن معي! ألماني، عإنكليزي عفرنساوي عإيطالي، شي عجيب غريب، مش عم بفهم ولا كلمة...
صوت سلوى لا تكون ما بتحكي ألماني وعم تكذب علينا؟
سامي (مستنكراً) يا عيب الشوم عليك! أنا ما بحكي ألماني؟ (ثم يطلق جملاً بالألمانية مقتطفة من كتاب "كفاحي "Mein Kampf) ------------------------------------ -----------------------------
فؤاد (يطل برأسه فاركا عينيه كأنه يستيقظ فجأة) شو؟ ألماني؟ يهود ومعتقلين؟ يعني وصلنا! وصلنا عهراديشكو! هراديشكو!
سامي هراديشكو؟!!!
سلوى (تطل برأسها) هراديشكو؟!!!
سامي (ناظراً إلى وولف في الحفرة) هيئتها رح تزبط معك يا وولف! هيئتك رح تلاقيه أخيراً!
صوت وولف أكيد رح تزبط معي! ما أنا سمعته بدينتي وشفتو بعيني!
سلوى (تتأمل باحة المعتقل)... هراديشكو؟ هراديشكو؟ (تلتفت لفؤاد) فؤاد بدك تساعدني، كيف بتزبط هراديشكو بالقرن الواحد والعشرين؟
فؤاد هيئتنا صرنا بالحرب العالمية الثانية!
سامي (باستغراب شديد) يعني هتلر بعدو طيب؟؟؟
صوت وولف هتلر بعدو طيب؟؟؟؟! العمى نسيته هيدا! نسيته بالمرّة!
سلوى ( لفؤاد بسخرية) رجعنا بدنا نحي الأموات؟ ما خلصنا من هالتفنكات بعد؟
صوت وولف (متردداً) إذا بدكم، منرجع عـ إسرائيل...
فؤاد هلق إلك إشهر وإيام بتخلينا نمشي ونزحف تحت الأرض متل الحمير، وهلق بدك إيانا نرجــــــــــــع بدون عظام أبوك؟!!! ولوين؟؟؟؟ عإسرائـــــــــــيل؟! هيدا من سابع المستحيلات!
سلوى (لفؤاد) ما تردّ عليه، مش رح نتحرك من هون لحد ما ننهي هالقصة...
سامي دخلك ست سلوى إلك فترة متفائلة، ليش شو الفرق بين هون وهنيك؟ هون حبس هونيك حبس؟
سلوى إذا ما استمرينا، ما في أي أمل بالنجاة، ما عنا حل غير إنا نستمر، منطلع وبعدين منشوف، يللا شباب، اطلعوا عمهلكم عاللس واحد ورا التاني تنشوف وين بدنا نصير...
(يخرج الجميع ببطء ويتمايلون تحت أضواء البروجيكتورات الكاشفة التي تتجول على الخشبة، باستثناء وولف)
سلوى (عائدة باتجاه وولف هامسة) ليش بعد ما طلعت؟ طلاع يللا،
صوت وولف أنا ما فيني إطلع من هون...
سلوى ليش؟
صوت وولف هيك... ما فيني..
سلوى (تنحني فوق الحفرة حيث لا يظهر إلا رأسه وتقول بلطف) وولف حبيبي، مبلى فيك تطلع، نحن كلنا منساعدك...
صوت وولف ما فيني... إنتو روحوا، واتركوني هون لحد ما يكتشفوني النازيين... هيك أحسن شي... هيدا مصيري... لازم كل إنسان يلحق مصيره... أنا يهودي ومصيري مصير اليهود، إنّنا نعيش معذبين مضطهدين منفدي الإنسانية بأنفسنا...
فؤاد (قاطعاً من حيث هو في زاوية من باحة المعتقل) أنا برفض أعطي شهادة حسن سلوك عن طريق تسليم وولف للنازيين! ممنوع تتركيه! ممنوع يضل شهيد كل عمره!
سامي (من زاوية أخرى) ولاه ليه بتكرهه هلقد؟!
فؤاد ( لسامي ) انت خراس! حبَسك سبع سنين وبعدك بتدافع عنه ؟
(تتكاثر وتتسارع أضواء البروجيكتورات فوق رؤوسهم)
سلوى (منحنية على الحفرة) يللا حبيبي وولف هات إيدك (تسحبه بسرعة ويبدأون بالركض بين أضواء الكواشف )
سلوى (مشيرة) هالحيط ما بتمرق عليه البروجكتورات ! فينا ننط! (نقفز)
وولف ما فيني... ما بقدر نط عن هالحيط! وزني كتير ثقيل...
فؤاد إيه شيل كل هالسلاح للي وزنه طن!
وولف ما فيني! اسمعوا منّي نطوا إنتو واتركوني هون...
سامي انا طالع استكشف الوضع! (يقفز بسرعة ويختفي خلف الجدارـ يركض فؤاد ويقفز وراءه، تبقى سلوى وحدها تحاول مساعدة وولف)
وولف (تساعد سلوى وولف على الصعود مع سلاحه، الا انه يقع عليها ويتأوه من الألم ) آآآآآخ! أخ يا إجري! انكسرت رجلي !
صوت فؤاد (من خلف الجدار) هلأ وقتها تنكسر إجره؟! شو عم نلعب؟
سلوى هاي مش لعبة، هاي بحث عن سلام،
صوت فؤاد بلا سلام بلا بلّوط... واحد مكسورة إجره حاكمنا بإجره، والثاني عكروت مش فارقة معه إلا الطاووس الارجواني، حلّي عنّي إنتِ واياهم...
صوت سامي ولوه! ما زهقتوا بقى من هالنغمة؟ خلصونا بدنا نمشي قبل ما يكشفونا البروجكتورات!
سلوى يللا يللا جايين! (تبربس لنفسها وهي تحاول رفع وولف ومساعدته على النهوض مجدداً) قال منقلب الطاولة ومنفتح مسارات جديدة قال؟! كله تنظير بتنظير!
صوت فؤاد حاجي تبربسي عليّ يا ست، أنا للي طلعت بفكرة السلام، وأنا للي ما بقى بدّي إياها، ولا بقى بدي سامي ولا وولف ولا من يحزنون،
سلوى (بينما تحمل وولف وتجره ، مستمرة بالبربسة) كلنا شاطرين بالحكي بس! ( لوولف) اتكي عليّ (تقود وولف المتشبث دوماً بسلاحه الى الجدار وتحاول ان ترفعه دون ان تستطيع )
سلوى ( لوولف ) يا الله ! ساعدني شوي !
وولف ( متأوها ) آخ ! موجوع! موجوووووووع! بدي موت! اتركوني بدي موت!
صوت سامي خيي وولف ما تموت أنا جايي ساعدك (ويقفز مجددا فوق الجدار عائداً إلى الباحة)
صوت فؤاد ( محاولاً استدراك سامي دون جدوى) إنتَ خلليك هون!
سامي (واصلاً قرب سلوى) قومي انفذي بجلدك مع الأستاذ، وأنا بدبر حالي مع هالمرّت (هالمعتر)!
سلوى (بإصرار) لأ!
(وفي هذه اللحظة، يلعلع صوت الرصاص الكثيف فوق رؤؤوسهم، فتركض مرعوبة للقفز فوق الجدار) أنا جاية! فؤادّ انطرني!
وولف (وبينما تقفز سلوى فوق الحائط، وتختفي قرب فؤاد، يرفع وولف يديه مستسلما ويذهب الى منتصف الباحة حيث يقع عليه نور البروجكتور، فيما يحاول سامي المنبطح منعه دون جدوى، يصيح) وولف ايبرمان ابن فريتز ايبرمان من مواليد برلين وسكان تل ابيب أعلن استلامي لقوات الفبرماخت،
( سكون تام، فؤاد وسلوى ينتظران من خلف الجدار ما سيحدث في الباحة، وسامي ينتظر مبطوحاً واضعاً يديه على رأسه) يطول السكون، فيرفع سامي رأسه رويداً رويداً وينظر حوله)
سامي شو عم بيصير ؟
صوت سلوى (تهمس لفؤاد) قولك مصوبين رشاشاتهم عليهم؟
سامي ما في دومري! ما في لا حس ولا خبر!
صوت سلوى غريب!
صوت فؤاد أكيد ما في دومري؟
وولف ( صائحا نحو برج المراقبة) بقدر ارتاح؟ رجلي مكسورة...
سامي ( واقفاً نافضاً الغبار عن ثيابه) فيك ترتاح خيي وولف، الهيئة ما في حدا، لو كان في حدا كانو قوصونا كلنا من زمان،
صوت فؤاد ( رافعاً صوته كي يسمعه سامي ) شو عم تقول ؟
سامي سمعتني منيح، الهيئة ما في حدا، تعا يا إستاذ وجيب الست معك، ما في شي بيخوف،
(تقفز سلوى عائدة إلى الباحة فيلحق بها فؤاد)
فؤاد (متأملاً حوله) الهيئة العدو انسحب من موقعه لما شافنا،
سلوى وسامي معاً (في ذات الوقت، وبدهشة كبيرة): العدو انسحب؟
وولف (بمرجلة مظهراً سلاحه) إذا مزبوط انسحب بيكون لأنه شافني إلي... مش حدا غيري
فؤاد بما أنه العدو انسحب، نحنا بدنا نستمر بالثورة ونحاول نقوم بالاتصال بحلفائنا في الداخل...
سلوى وسامي معاً (في ذات الوقت، وبدهشة كبيرة): ششششششوووووووو؟؟؟ حلفائنا بالداخل ؟ ؟؟
فؤاد (بحماس فظيع) خلص! لقيت الحل! أنا رح خلصكم من هالوضع المريع! (يسحب قلمه من جيب جاكيته) اعطوني ورقة فأريكم ما يدهش العالم...
سامي شو إجت القريحة؟
فؤاد اذا بتريد اتركني اعرف اشتغل، وانت خليك بالكباريهات واكل الهوى (مستدركا) بلا ورقة وبلا قلم (يرمي بقلمه على الأرض، ويستعد لخطابه الثوري) إن انسحاب العدو لم يأتٍ نتيجة مواجهة هذه اللحظة...
وولف ( مقاطعاً ) اسمحلي بكلمة
فؤاد ( لوولف ) خليني كفي وما تقاطعني! اساليبك الملتوية مش رح تنفع بالقضاء على حركتنا الثورية،
سامي (بتهكم شديد) لنّص الأستاذ!
فؤاد (بطريقة خطابية) إن العدو قد انسحب ليس نتيجة مواجهة هذه اللحظة...(ينظر سلوى وسامي إلى بعضهما البعض باستغراب بينما يستمر فؤاد في إلقاء كلمته) بل نتيجة تراكمات قرون من النضال الذي قامت به الشعوب العربية ضد الاستعمار والتخلف والصهيونية،
وولف شيل الصهيونية اذا بتريد
فؤاد إنتَ خراس! واحد صهيوني جبان! عارف حالك مع مين عم تحكي؟
وولف مع شقفة كاتب مسرحي
فؤاد سابقا اذا بتريد، انا هلأ قائد المقاومة ضد النازية والصهيونية العالمية، كلهم سوا!
سلوى أف أف أف! (لسامي) مزبوط لنّص! (لفؤاد) ولك وين شطحت؟! هلق وقتك؟
فؤاد ( مستنكراً ) مش وقتي؟ مش وقتي؟! (بإصرار) هلق وقتي! (للجمهور) الآن دقت ساعة العمل الثوري! الآن حان وقت الربيع العربي! حان وقت التحرير! (لسلوى، باستنكار شديد) إلك عين تقولي هلق مش وقتي؟؟؟إنشالله مفكرة إنه هلق وقت مسرحيات وأكل هوا؟ (للجمهور)
هذا عدو غاشم مغتصب فلا تأمنوا صلحه ولا سلامه! لا لمحاولات الصلح البائسة، لا للاستسلام، حان وقت الثورة، حان وقت الكفاح السلح، حان وقت الجهاد الأكبر!!
سامي (سائلاً بيأس) إذا هيك بركي فيك تسمحلي انسحب! حابب إرجع عشغلي ببرلين ودير هالكباريه ...
سلوى (يائسة) ما خلصنا من الخطابات بعد؟!
فؤاد لأ، بعد! ! ( متابعا خطابه) إن لحظة الانتصار الرائعة هذه هي نقطة تحول في تاريخ امتنا وما على العدو منذ الآن الا ان يأخذ حذره من قوة شكيمتنا واسناننا الفولاذية،
سامي (متهكماً) اسنانا الفولاذية؟! حلو!!!
فؤاد ( متابعا خطابه ) ان انسحاب العدو مؤشر تاريخي أن المستقبل سيكون واعدا لهذه الامة وان الثروة النفطية التي حبانا الله بها سنستخدمها منذ الآن بصورة مختلفة،
سلوى هو هو هو ! stop stop دخيل الله !!!
فؤاد ( متابعا ) لا يغرنكم صغر هذه المعركة، إنها رمزٌ ساطعٌ في كفاحنا الموجه ليس فقط ضد الدول الكبرى، بل ضد زمرة نازية وقوة عسكرية ضاربة مؤججة بالمدرعات والمدافع دون فكر ودون عدل، إن هذه المعركة مؤشر للمستقبل وما تزخر به طاقات امتنا،
سلوى هو هو هو ! فؤاد، يا با، يا هو، ، stop stop stop ؟!!!
فؤاد ما تحاولي تلجميني! كل عمرك بتحاولي تلجميني ! (يردد بيتا من الشعر )
لا اعرف للشعر حدودا
لكنني آبى ان نكتب
ونثرثر عن مرض الحب
لا يتسع الوقت لهذا
اني كل قوى شعري
اعطيها لك يا بروليتاريا
سلوى (مقتربة منه بحذر محاولة تهدئته) بروليتاريا؟ مش هيك كنت بدّك تقول... كنت عم تحكي عن حل يوصلنا للسلام...
فؤاد (غير آبه بها، للجمهور) عاش الكفاح المسلح، عاشت المقاومة، عشتم وعاش لبنان!
(فجأة يهبط نور البروجكتور على فؤاد فيفاجأ الجميع الا ان فؤاد يتقدم من موقع البروجكتور فاتحا صدره وهو يصيح) ان كان هذا مسرحاً أم لعبة أم هذيانا، إني مدرك لأهمية كل كلمة تقال ههنا، ولخطورة كل ما يجري وانعكاساته على أزمات الشرق الأوسط التاريخية المزمنة، وبناء على ذلك، أعلن استعدادي التام للتضحية بذاتي في سبيل العدالة والحرية، ومطلبي الشهادة في سبيل الحق! فاقتلوني اذا اردتم، الا انكم لن تثنوني عن خطتي لمواصلة النضال ضد الاستعمار ممثلا بأعلى مستوياته: النازية البربرية والصهيونية التوسعية على حد سواء، على أمل تحقيق السلم العادل لكافة شعوب المنطقة!
(خلال خطاب فؤاد، سامي يسخر ويهز برأسه ويعيد وارؤه ويبربس)
سامي مبكلها تبكيل!
( فجأة، وما إن ينتهي الخطاب، حتى ينهمر الرصاص حول كل واحد منهم دون أن تصيبهم، يتراكضون في كل اتجاه)
الصوت : (بالعربي) اخرسوا كلكم ولاه! انبطاح!! الكل عالأرض! وجهكك لتحت وإيديكم فوق راسكم لشوف! (ينبطح الجميع )
المشهد الثامن: الطاووس الأرجواني
(في ذات باحة المعتقل، الجميع مبطوح وأيديهم على رأسهم، يحاول فؤاد رفع رأسه ويديه قدر الإمكان فيسلط عليه مجدداً وحده بروجكتور الاضاءة، فيخفض رأسه مرعوباً مجدداً)
الصوت : مين انتو ؟ وكيف وصلتوا هون ؟
فؤاد الداعي فؤاد ضاهر، لبناني
الصوت : حضرتك الكاتب المسرحي المعروف ؟
فؤاد (ينظر إلى سلوى المنبطحة أيضاً بقربه وعلى وجهه ابتسامة الفخر) نعم ! ما كنت عارف انكم على اطلاع على مسرحي؟
الصوت : انا حضرت كل مسرحياتك تقريبا،
فؤاد ببيروت ؟
الصوت : نعم ببيروت،
فؤاد بس انا اثناء الحرب العالمية الثانية ما كنت لسه ولدت ؟
الصوت : الحرب العالمية الثانية ؟!
سلوى (تمهس لسامي) ببيروت؟ كيف ببيروت؟
فؤاد وان شاء الله عجبتك مسرحياتي ؟ ( صمت، فيكرر فؤاد سؤاله مصراً ) هيئتك ما سمعتني، حضرتك حبيت مسرحياتي ؟( مرة اخرى لا يجيب الصوت على السؤال فيرتبك فؤاد ويعود إلى خفض رأسه، ثم بعد قليل)
الصوت : (بسخرية) شو ما عندك ثقة باعمالك ؟
فؤاد لأ، القصة مش هيك، فيني أوقف تإقدر إحكي مع حضرتك كلمتين؟ (لا جواب)، طيّب !
( صمت مطبق، يزحف باتجاه فؤاد سلوى ويهمس)
فؤاد فيه انجاز خارق قمنا فيه! مسرحياتي خرقت حائط الزمان !انا مبسوط!! مبسوط كثير! أهل بلدي ما اهتموا بمسرحي، التاريخ هوي اللي اهتم فيه ! معقول يا سلوى ؟ معقول انو مسرحي حضروه بالحرب العالمية الثانية ؟
سامي ما تكون مسرحياتك ناقلها عن مسرحيات قديمة ؟
سلوى ( بصوت هامس وساخر ) شو مبيّن مبسوط مزقزق؟؟؟ عجبتك الرجعة بالتاريخ؟
فؤاد لأ، عجبني إنه حضر (مشيراً إلى مصدر الصوت) مسرحياتي كلها!
سامي (يقف بجرأة ويقترب من مكبر الصوت، ويسأله بالألمانية) بدي اسألك، بتعرف حانة الطاووس الأرجواني ؟
الصوت : احكي عربي اذا بتريد! شو مستحي من لغتك العربية ؟
سامي لأ مش مستحي ! (بالعربية) بتعرف حانة الطاووس الأرجواني ببرلين ؟ (ومنتبهاً فجأة) كيف تصادف انو حضرتك بتحكي عربي ؟
الصوت : ( بلهجة ساخرة ) بالمدرسة جبرونا ندرس عربي،
سامي مش قليلة !
الصوت : والأخ اللي حامل سلاح مين بيكون ؟
سلوى ( لم تزل مبطوحة، تهمس لوولف ) اوعى تقلهن انك يهودي!
وولف (يقف ويصيح أمام المكبر) انا وولف ايبرمان، مواليد برلين 1934، ابن المعتقل 4567 في هراديشكو فرانز ايبرمان !
الصوت : ما سامع فيه،
وولف ( بغضب ) ما سامع فيه ؟! كيف ما سامع فيه ؟! هيدا إنكار لحقائق التاريخ! هراديشكو معتقل مشهور، وابي كان أشهر معقتل فيه!
(خلال ذلك تتجرأ سلوى وتقف مجيلة النظر حولها، يسمع صوت نشيد قومي يذاع من مركز الصوت)
النشيد : بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدان ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديـنٌ يفـرّقنا لسان الضَّادِ يجمعُنا بغـسَّانٍ وعـدنانِ
لنا مدنيّةُ سَـلفَـتْ سنُحييها وإنْ دُثرَتْ ولو في وجهنا وقفتْ دهاةُ الإنسِ و الجانِ
فهبوا يا بني قومي إلى العـلياءِ بالعلمِ و غنوا يا بني أمّي بلادُ العُربِ أوطاني
فؤاد شو القصة ؟ نحنا وين ؟
وولف: مش هون هراديشكو ؟
سلوى على علمي آخر شي كنّا بألمانيا،
فؤاد ألمانيا، وبلاد العرب اوطاني ؟
سامي يمكن هيدا الحاج امين الحسيني او رشيد علي الكيلاني؟ (ساخراً) ما حدا بيعرف كيف بتتلاقى القوميات...
النشيد : بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدان ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديـنٌ يفـرّقنا لسان الضَّادِ يجمعُنا بغـسَّانٍ وعـدنانِ
(ثم فجأة، حرتقة ميكروفونات، يبحث الجميع عن المصدر )
الصوت : الأفكار مدعوة الى الدخول الى زنزاناتها ! يطلب من كل فكرة التقيد بالنظام وعدم الدخول الى زنزانة فكرة اخرى ! يمنع التواصل بين الأفكار حرصا على المصلحة العامة !
سامي شو يعني الأفكار مدعوة إلى العودة إلى زنازينها؟ انا بلشت خاف !
سلوى مش بألمانيا، بس أكيد بمعتقل! ليكون معتقل أفكار؟... خلص فؤاد، ما بقى قادرة لحّق على حدا! تعبت!
الصوت : هذا ليس بمعتقل وانتم لستم مساجين. انتم مرضى بحاجة الى عناية ونحن نوفرها لكم . لقد عزلناكم عن المواطنين لأجل أمنهم أولاً وسلامتكم العقلية ثانياً!
سلوى (تقف بحرص) قولكن طلعنا ببلد عربي ؟
وولف أكيد لأ! ما في هالرقي بالعالم العربي! بعدنا أكيد بأوروبا.
فؤاد (متساءلاً بينه وبين نفسه باستغراب شديد وبصوت عالِ) معقول؟ معتقل أفكار؟ بلد عربي؟ ؟ شو عم بيصير؟ لا لا لا، أكيد لأ، في شي مش زابط...
سامي (لفؤاد) مبلى زابط إستاذ، ما كل المعتقلات بتشبه بعضها، عندها نفس مكبّر الصوت، نفس الأضواء، ونفس الهوا، شم وشوف ...
الصوت : انتم تعرفون اننا لا نقبل بأي تصرف غير انساني، فنحن لا نقوم بتعذيبكم
سامي (ساخراً) أكيد فيها "إلا"، ما أنا حافظ القصة من زمان...
الصوت : "إلا" إذا أجبرتمونا على ذلك لاجلكم ولمصلحتكم ! إن تعذيبنا لكم لأمر فظيع، لكن لا بد من شره لمنع أفكاركم من الإنتشار، وقد تم عزلكم عن المجتمع لمنع العدوى !
سلوى ليش الأفكار بتعدي؟ (لا أحد يرد عليها) شو هييّ مرض؟
الصوت : لقد حبانا الله بثروات طبيعية تؤمن لنا العيش الرغيد، كما حبانا برسالاته السماوية التي وضعت لنا اسس القيم الاجتماعية، فيتوجب علينا بالتالي حماية تلك القيم في مهبط الرسالات السماوية...
سامي تحيا البوذية ! (يلدغ بالكهرباء فيصرخ) شو هيدا؟! كهربت! من وين إجت الكهربا؟ (كأنه يأكل أيضاً خبيط) آخ! آخ!
الصوت : حرام عليكم ايتها الافكار تخريب هذه القيم وتبديد هذه الثروات، من هنا كان إبعادنا لكم عن الناس، من هنا، كان قرارانا العادل بالحجز عليكم... (خلال ذلك ينزل قفصان يغطيان كل من سامي ووولف )
سامي (متفاجئاً) شو هيدا؟ قفص؟!!!
وولف (مردداً وقافزاً بهياج) وولف إيبرمان ابن فريتز إيبرمان رقم 4567 في هراديشكو، أخيراً في قفص كأبيه! وولف إيبرمان ابن فريتز إيبرمان رقم 4567 في هراديشكو أخيراً في قفص كأبيه! وولف إيبرمان ابن فريتز إيبرمان رقم 4567 في هراديشكو أخيراً في قفص كأبيه!
سامي (مستمراً) ولك قفص؟!!! معقول قفص؟ !!! يا محلا هيداك الحبس !!
فؤاد (ينتصب مرعوباً ويمسك بسلوى من ذراعها) يللا بسرعة خلينا نهرب !
سامي (مستمراً في ذات الوقت) ما فيكم تكبروه شوي؟ ! مش عم إقدر إتحرك !
سلوى (تنتزع ذراعها منه وباستنكار) والجماعة للي بالأقفاص؟
سامي (مستمرا لا يسمعه أحدً) يا عالم، يا هو، ولك بعد ما حكيت، بعد ما فتحت تمّي... آخ آخ! يا محلا هيداك الحبس!!
فؤاد (مصراً مستعجلاً) هنّي يدبروا حالهم...
وولف (مردداً كالببغاء بهياج) وولف إيبرمان ابن فريتز إيبرمان رقم 4567 في هراديشكو أخيراً في قفص كأبيه!
سلوى (بلهجة وحركة مسرحية وبالفصحى) " تعيس هذا البلد الذي بلا أبطال"! (تحط على عين فؤاد) سارتي!
فؤاد (بنفس اللهجة) " تعيس هذا البلد الذي بحاجة إلى أبطال" ! برتولد برشت !
سلوى (بسخرية) عم تعترف إنك ما بدّك تكون بطل أيها المؤلف البريشتي؟ !
فؤاد (مستمرا بنفس اللهجة المسرحية) مش صحيح! إني على استعداد لدفع حياتي ثمناً للحقيقة!
سامي (ساخراً) كم مرة ناوي تموت وتموتنا معك يا حضرة البطل؟
فؤاد (مترجياً سلوى) دخيلك اسمعي مني خلينا نفركها...
سلوى معقول بعد كل هالشقا وهالتعب، نتركهم ونمشي؟ لو كنا قادرين نتركهم كنا تركناهم من الأوّل... بدّي أعرف شو بدّو يصير...
فؤاد أنا بدي إرجع، خلص تعبت...
سامي ما في خط رجعة!
وولف (وهو مستمر في الدوران على نفسه بهياج) مظبوط ، مظبوط، ما في خط رجعة... لأنه ما في غير نفق وحيد، نفق وحدي سري، مزبوط، مزبوط...
فؤاد (باستنكار شديد) مين قال هالكلام؟!! مش مزبوط! في ميّة نفق ونفق! في ألف مجرور وألف جورة وألف شريان بيرجعني مطرح ما كنت! ( وخلال صراخه، ينزل قفصان يغطيان كلا من سلوى وفؤاد )
سلوى شو هيدا؟ لأ مش معقول؟ ونحن كمان؟
فؤاد لو سمعتي كلامي كنا زمطنا ! (يرتمي أرضاً كأنه أكل خبطة قوية جداً على ظهره) شوهيدا؟ ليش كهربت هيك؟ (يخبط من جديد) شو صار؟ شو عملت؟ شو حكيت؟
الصوت : الأفكار مدعوة الى البقاء داخل زنزاناتها ! يطلب من كل فكرة التقيد بالنظام، ويمنع عليها منعاً باتأً التجوّل الحر أو الدخول الى زنزانة فكرة أخرى ! يمنع التواصل بين الأفكار حرصا على المصلحة العامة !
سلوى (هامسة للآخرين) يا شباب شو عم بيصير؟ (فجأة تقع على الأرض كأنها تلقت صفعة عنيفة على رقبتها) (ملتفة خلفها، بحدّة) مين ضربني؟ ! (لا تجد أحد، فتنظر إلى سامي) هيدا إنت؟!
سامي ليش أنا فيني طال من هون لهونيك؟! وبعدين ليش بدّي سكّتك (أن تسكتي)؟ كل إنسان حر يقول للي بدو أياه! (فجأة يبدأ بالصراخ والقفز كأنه يأكل قتلة من كل مكان) آخ! دخيلكم ما قلت شي.. سحبتها ! بلعتها! آخ! (ينظر وولف إلى الجميع صامتاً في زنزانته)
فؤاد (هامساً) قولكم مين هول ؟ ( يصفع ويكهرب مجدداً، يتلوى)
سلوى شو عم بيصير؟!! (تأكل كف فتهوى مرة ثانية)
سامي شو كان الصوت عم بيقول؟ (يأكل خبطة، يهمّ بالكلام لكنه يتذكر فيغلق فمه بيده)
(خلال هذا الوقت، بينما يأكل الكل خبيط ولسع كهرباء كلما حاولوا التفوه بكلمة، يرفع القفص عن وولف حتى يتحرر بأكمله، ينظر الآخرون بدهشة إليه يختفي في السماء، سامي يحاول الكلام لكنه في كل مرة يطبق على فمه، وحين لم يعد يقوى على السكوت) حرّروه لأنو ما في راس! (يعود إلى الصراخ من ألم القتلة)
سلوى (تصرخ) حرروه لأنه في شريان بين هون وهونيك ! (وتهوى للمرة الثالثة على الأرض)
(فؤاد ينظر إلى الآخرين مذعوراً، يشد بشعره ويلوج داخل قفصه ثم يبدأ بالصراخ)
فؤاد طلعوني من هون! ما بقى فيني إتنفس! رح موت! رجعوني مطرح ما كنت! (ويتلوى تحت ضغط الخبيط)
سلوى دخيلكم خلص! ما بقى رح نفتح تمّنا! بس قولوا لي نحن وين؟ (تتلوى مجدداً من الخبيط والكهرباء)
الصوت ألم تدركوا بعد؟ ألا تدركون أين أخذتكم رياح التأليف؟ يا لعذاب الجهلة! أنتم في الطاووس الارجواني!
سامي مستحيل! الطاووس للفرفشة، مش للعذاب! (ويأكل خبيط)
وولف (ناظراً إلى الأعلى حيث اختفى قفصه) ليه؟ (بأسى) ليه أنا برّه؟ (بحسرة) أنا وولف إبرمان ابن فريتز إيبرمان، ليش طلعتوني أنا وحدي برّه؟ ؟ ! (ينظر إلى الآخرين الذين يتعذبون في أقفاصهم) (ينظر إلى السقف، بتساؤل) يعني هيك اعتمدتوا؟ إيه، متل ما بتريدوا...
(يستسلم لكونه حراً ويجلس على كرسي خارج الأقفاص يراقب منها الآخرين، وحين يغفو الجميع من الإرهاق والتعب، يضع سلاحه جانباً، يلف سيجارة، ويحرسهم بعين ثاقبة إلى أن تخفت الأنوار ويحل الظلام)
المشهد التاسع: سهرة فرفشة في معتقل الأفكار العربي
(تفتح الستارة على وولف ينهي حلاقة ذقن سامي خارج الأقفاص تماماً كما في مشهد سابق - في حين يظهر فؤاد وسلوى كل في قفصه نصف المرفوع بحيث يستطيعان الخروج والدخول إليها كيفما شاؤوا... في الوسط بين الأقفاص بقايا مازة وكؤوس فارغة... يبدو على الجميع الاسترخاء التام، ومن حين إلى آخر، تمد سلوى يدها تبحث عن كأسها الويسكي...)
سامي (لوولف، وهو ينشف وجهه بحماس) ليك حبيبي، فيك تدبرنا شريط لعمرو دياب ؟
وولف عمرو دياب ؟ تكرم عينك..(يذهب وولف لوضع الشريط في راديو كاسيت قرب الكرسي)
فؤاد سامي، قول له يشيل الصحون ويجيب لنا كم بيراية تنطفي هالعرقات...
سلوى (مع تأتأة من السكر) أنا ما بدي بيرة، عم بشرب وسيكي، هيديك المرة العرق عمل لي وجع راس، ذكّره عطريقك يجيب ويسكي كمان
سامي بما إنّك واقف، بدنا عطريقك بعد كم كاس لننسى هالأقفاص المعلقة فوق روسنا،
وولف: إنتَ بس أأمر... لعيونك...
سامي كم بيرايه وقنينة الويسكي إذا بتريد...
(تنطلق موسيقى أغاني عمرو دياب بينما وولف يجلب القناني من خزانته ويناول الجميع ويبدأ بلم الصحون الفارغ، يقوم فؤاد ويدعو سلوى إلى الرقص، قتهب وتبدأ بالخلع والتمايل، وبينما يرقصان)
سامي يا عيني علينا! هيدا هوّي الطاووس الأرجواني! (ساخراً متهكماً) قال معتقل أفكار قال!
فؤاد وسلوى معاً (بينما يرقصان) :هسسس! (تعلو الموسيقى أكثر حتى تقارب الضجيج)
سامي (صارخاً أعلى من الموسيقى) بتعرفوا إنه بالطاووس الأرجواني ما حدا بيسمع حدا من كثر الضجيج؟
فؤاد وسلوى معاً :هسسس! بلا ما ناكل كلنا قتلة من وراك... سكوت!
سامي الكل ملهي بحاله ما حدا فاضي يسمعنا! (مقترباً من فؤاد) إيه تمختر مثل الطاووس أستاذ فؤاد اتمختر! مش فارقة معك إذا راحت لها معي بعد شي سبع سنين تانيين؟ (فؤاد لا يرد مستمراً في الرقص) مصيبة إذا بقعد لي هون بعد كم سنة! الله ما قالها!
وولف: (مديراً ظهره للجميع ملهي بلمّ الصحون) سامي ما تكفر!
سامي ما بقى فيني! لازم نهرب!
فؤاد وسلوى معاً : (في نفس الوقت) هسسس!
سلوى (مضيفة) الله يلعنك!! ليش بدك تفتري علينا ؟
فؤاد (موبخاً) دخيلك سكوت هلق بترجع بتكهربنا كلنا.
سامي هيدا مش الطاووس للي لألي (لي)! هيدا اغتصاب لحقوقي بالملكية الفكرية!
وولف: (بعدما انتهى من جمع الصحون وجلس بقرب سامي تحت الأقفاص المعلقة) كاس هالجمعة الحلوة!
فؤاد وسلوى معاً : (في نفس الوقت) هسسس! اخرس دخيلك!
(يشرب الجميع النخب، يتمايل وولف على وقع الموسيقى التي يعلو ضجيجها كثيراً، سلوى تكرع كأسها دفعة واحدة، يلحقها فؤاد في ذلك مستمرين في التراقص، ينضم إليهم وولف، فؤاد يصفق بحماس على وقع الموسيقى، تحاول سلوى شد سامي إلى الرقص لكنه يرفض، فؤاد يهز برأسه يميناً وشمالاً مطروباً، وولف يركع أمام خصر سلوى التي تنزل خلع عالواحدة ونص ... )
سامي (وقد تأتأه السكر) قوموا تنهرب يا شباب! حاجتنا بقى من الحبس...
وولف: قاعدين مبسوطين...
فؤاد (بـ تنبلة) إيه قاعدين، مبسوطين... (سلوى تتمايل)
سامي اسمعوا منّي....
وولف: (يقاطعه، لم يزل يشرب ويتمايل) خيي سام غيّر لي هالموضوع!
(تقترب سلوى من سامي وتدعوه مجدداً إلى الرقص، يتمنع متأففاً إلا أنها تصر وتتدلع عليه، فيضع سيجارته جانباً ويقوم، وفي خضم الرقص وضجيج الموسيقى، سحب فؤاد سلوى من سامي ويراقصها بين ذراعيه بفرح، ونسمع بعضاً من حديثهما وضحكاتهما تماما كما في المشاهد السابقة:
فؤاد شفتي شو مبسوطين هون ؟
سلوى إيه، الطاووس الأرجواني فرجة حلوة، بس ما عملنا شي،
فؤاد كيف ما عملنا شي؟ مش مبسوطين؟ هيدا الأهم! أنا مبسوط كثير، إنتِ مش مبسوطة؟
سلوى مبلى، مبسوطة (تهمس بأذنه خلال الرقص)، وبعدين شو رح نعمل بس يخلص البسط والإنشراح ؟
فؤاد مش فارقة معي! (ويستمر بالرقص) قد ما أنا مبسوط، ما عندي مانع موت بهاللحظة!
سلوى الله يخليك بلا حديث الموت...
فؤاد طيب شو بدّك جاوبك؟ بيفرجها الله...
سامي (رافعاً يديه وداعياً) ما بقى إلنا إلا ربّنا! انشالله يا رب ينفجر فينا شي انتحاري، بركي منخلص ومنرتاح بقى!
سلوى وفؤاد وسامي: ششششششششششششش!
فجأة، تتوقف الموسيقى، يسمع صفير حاد ثم دويّ انفجار شديد، يعمّ الصمت والدخان المكان، يخفت الضوء حتى العتمة)
مسرحية من تأليف ألبير أزاريطة
وحُسُن الفارس
