top of page

إني أتثاءب تحت الغطاء

ها صوت أبي يدخل الدار،

أذهب إليه فرحةً، يأتي إليّ جذلاً،

نلتقي في الممر،

يضمّني بين ذراعيه، أشدَّ عليه بشوق، 

ما به يحملني، يرفعني عن الأرض كأني طفلته الصغيرة؟

أنسيَ أنني كبرت؟

نظرتُ إليه مبتسمةً متسائلة،

ربّاه! هذا وجه الموت!

إنه يقلب عينيه إلى الوراء،

إنّه يذوب رمادياً أمام عينيّ،

وما زال يحملني، يسير بي يلصقني على زجاج المطبخ،

يتركني معلقة هناك، كأنني اختفيتُ إلى الأبد،

يعود إلى ركنه على كنبة الدار.

يُسمّرني الرعب على أبواب الغرف المغلقة،

يَسمُّني القهر من غياب أهلها،

يُضيعني الخوف في مجاهل الذهول،

يقبرني تخت الغطاء.

ها النديم يخرج أخيراً، يجالس النديم الأبَ،

كأنّ شيئاً لم يكن،

أستدعيه، أخبره عن الرعب، والقهر، والغياب،

أترجاه أن يسأل أبي عما جرى، لأني أعجز من أن أفهمه،

يعدني خيراً،

لا أجروء على الذهاب إليه، ذاك القابع في ركنه، كأن شيئاً لم يكن،

فاق فضولي إلى فهم ما جرى رُعبي منه،

تحولت إلى شبحٍ يتنصتُ إليهما آملاً خيرا.

قال أبي أن لا شيء كان، في اللحظات التي مضت،

أصرَّ أبي لا شيء كان، وبقيَ كأن حقاً شيئاً ما لم يكن!

ربّاه! قد رأيتُ وجه الموت، ولم أستوعبه،

أيحيلُ الموتُ أقرب الناس إلى غرباء؟

أكادُ أموت. استيقظت.

 

 

إني أتثاءب تحت الغطاء.

أمي، ما هذه اللعبة الخطيرة التي تمارسينها منذ الصغر؟

ما بك تقفزين دائما في العراء من أعالي القمم، دون مظلّة، وتصلين سالمة دائماً إلى الأرض؟

أرجوك توقفي عن هذا اللعب.

لا أستطيع أن أحيد النظر عنك لحظة، مخافة أن تعودي إلى عوائدك في القفز المرعب.

لكني ولدٌ، شئتُ ذلك أم أبيت، جاء الرفاق لمواساتي،

وفي سروري معهم، غاب النظر برهة عنك،

وها أنت تقفزين! أرجوكِ لا! أحقاً تعتقدين أن فساتينك الطويلة ستنفتح كمظلّةِ أمانٍ لتنقذك في كل مرة؟ أمي أرجوكِ لا! أراكِ تتحطمين على سيارة في الأسفل، أراك تتدحرجين على الإسفلت لا تنفع فساتينك في ردع الكسور في أنحاء جسمك،

أركض كالمجنونة على الأدراج في محاولةٍ يائسة لإنقاذك،

لا أجدكِ، يدعي الأقارب أنك في المستشفى، بحال مقبولة مع بعض الكسور، وأنك ستعودين قريباً إلى المنزل،

أمي إني آتية إليكِ سيراً على الأقدام،

انتظريني أرجوك لا تتحركي من حيث أنتِ لحظات وأكون معك...

في منتصف الطريق إليك، استيقظت من البكاء.

 

 

 

إني أتثاءب تحت الغطاء،

أحبائي كل في غرفةٍ خلف أبواب مغلقة،

أتثاءب ويبدو إليّ في نعسي قرب وصوله، هذا وقت عودته من العمل،

أحاكي نفسي أذكرها بأنه قد رحل، لكنه الآن في الممر يقترب!

أقول لا يُمكن، هذا حلمٌ، لكن صوته يأتيني قبل أن يصل إلى الباب،

"مرحبا حبيبتي"

ربّأه كم اشتقت له!

لا أرد أن أراه.

استيقظت.

Edvard Munch, by the deathbed, `1893

أتثاءبُ

 أحلامُ زيـنـة (3)

© 2017 by Houssoun El Fares - All rights reserved

bottom of page