top of page

Delacroix

حدسي يقولُ، أن موعدَ الرحيلِ اقترب،

لكنّ الحدسُ لم يخبرني،

عن الثلج، عن الصقيع، حين تأتين ولا تكونين سوى... جماد،

عن الألمِ، عن الوجع، حين تبكين ولا يقطر مِنك دمعٌ، ولا ابتسام،

لم ينبئني بما ينتظرني حين تلتصقين بي عاريةً، ولا يخترقني دفءٌ،

لا يقطرُ منّي حنانٌ، لا يسعى حضنٌ لضمّ،

حدسي قالَ أنّ للهوى حدٌّ جارحٌ،

لكنّه لم يخبر الدمَ عن السكّينِ حين ينحر،

ولا القلبَ عن الحرقةِ حين يدمع،

ولا الوجه عن اكفهرارَ الظلمةِ حين تذوي شموسُ الضحكات،

يبحثُ النظرُ عن أملٍ مضيءٍ في نجوم عينيك،

تخبو، على حوافِ الهرب،

يحلو لي العمى، أنعمُ بسوادِ ظلمته،

تنهمر ذكرى الفضةِ على العيون،

يعتصر خنجرُ بعادِك الفؤادَ،

ويذبحُ.

 

لا يجب أن أبكي،

فقد كان من شروطِ اللعبِ،

الإتفاقُ على الفِراقِ،

وكان على الفراقِ ألا يؤلم،

وكان على الألمِ ألا يُبكي،

وكان عليكِ أن تبعدي ذراعيكِ وساقيكِ عنّي،

أن يكفّ عريِك عن النداء، وأن تكفّ الأكتافُ عن الإلتصاق،

أبعدي عنّي زيفَ الرقّة الزائدَ عن حدّه، إنّي أكره الدبقَ،

لا تغضبي،

فقط، إرحلي، أو دعيني أرحل وحدي،

ففي غربتي، لم يعد هنالك من مساحةٍ للغرام،

الإتفاق هو الإتفاق،

والفراق هو الفراق،

والالم هو الالم،

لكنّ الدمعَ دمٌ، حبرٌ، مدام،

أسكبه وحدي،

أتحمّل مرَّ الهجران وحدي،

ولا عتاب، ولا عناق،

إرحلي عنّي أو دعيني أرحل،

اخرسي،

ولا جدال.

 

لا يجب أن تبكي

يا عاهرتي اللعوبة،

فلم تعودي بين ذراعيّ سوى طيفَ ذاتِك،

لم تعودي كما كانت العودةُ الأولى، كأوّل مرّة، في كلّ مرّة،

لم يعد قربِك من عطشي ارتواء،

لا تبكي يا عاهرتي،

فلم يغيّر في العهدِ شيئاً، يوماً، البكاء،

فالإتفاق هو الإتفاق،

والفراق هو الفراق،

والالم هو الالم،

ودمعُكِ مصدرُ شكوىً، لا غير،

وقربُك بلا جدوى، لا غير،

وحنينك، غباء.

 

لا تطلبي منّي ما لن أهديه،

إنّ وصالَك بعد اليوم مُحال،

أنينُكِ أذية،

وأشواقي رصاص،

تشبّثكِ كراتُ حديدٍ تثبّتُ الطيرَ بالأرضِ،

أطلقيني من أحضانِك،

حرّريني من طعمِ قبلٍ جافّةٍ،

دعي ذكرى الحرارة مضطربةً في البال،

لا تطفئيها بإلحاحٍ مضر،

فأنينك أذيّة،

وأشواقي رصاص،

ووصالك بعد اليوم محال.

إخرسي،

ولا جدال.

 

مهلاً،

وعدتني قبل الرحيل

بحفلةِ وداعٍ لمن سأشتاق له، دونَكِ حتماً،

وعدتِني، قبل الفِراق،

بقفزةٍ في رذاذِ موجِك،

بغرقٍ في بحر يمِّك،

بطحالبٍ طوقُ نجاةٍ تلتّفُ حول ثغري،

ومحارٍ يروي عطشي الغريق،

وثمارِ بحارٍ تشبع نهمي المرتحل،

ولآلىء تضوي في ليل الغربةِ الطويل.

مهلاً، لم أرتوِ بعد،

تنّهدّي كشاكيرا وبيونسيه،

أيتها الكاذبة الكبيرة،

ماؤكِ تنذر بأعاصير،

وصمتُك يعوي، كذئبةٍ في الظلمةِ لا ينيرها ضوءُ نارٍ،

ولا قُبَل،

استسلامُك خديعة،

وخنوعُك غشٌ،

ورحيلك أمرٌ واقع،

وبكائي أنين.

 

إرحلي الآن،

إني أختنق بطعمِك،

أبتلعُ لساني، قهراً،

أغلقُ جفوني، وأفواهي، ومسامي،

توقفّت طواحينُ الهواء،

رحل الهوى،

حلّ زمنُ الفراغ.

 

أعلمُ أنكِ غداً، ستعودين،

وستصرّين،

وتترجّين، وتتذلّلين،

وأعلمُ أنّي قد أرضخ لحُكمِ التكرار،

بحكم العادة،

ولا لذّة،

ولا لهفة،

ولا انتظار،

أعلمُ أنّي أخضعُ طائعةً لحكمِ لحظةٍ،

يأتي فيها الخاطرُ العذبُ،

بلا عذرٍ، ولا إنذار،

يروي هنيهات غبطة،

لا يشوبها سوى خدرُ،

خدرُ الغبطةِ،

غبطةُ الخدرِ،

حنينُ الذكرى،

ذكرى الحنين،

أداعب المعاني،

أقلّبها، أقبّلها،

أحبّها، أكثر من حبّي لكِ بكثيرٍ كثير،

وأعلمُ أنّك تعلمين،

أن اللذةَ الكبرى،

بين كل تلك الملذّات التي طاب فيها اللقاء،

هي لذّة الكلام المباح،

أهمس به همساً لذاتي،

فاخرسي،

دعيني أكتب،

ولا جدال.

حَدَس

© 2017 by Houssoun El Fares - All rights reserved

bottom of page